الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 271 ] سورة الحج فيها ست عشرة آية

                                                                                                                                                                                                              الآية الأولى

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } .

                                                                                                                                                                                                              فيها خمس مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : قوله تعالى : { فإنا خلقناكم من تراب } يعني آدم ، { ثم من نطفة } يعني ولده ، وهو المني سمي نطفة لقلته ، وهو القليل من الماء { ثم من علقة } يعني قطعة صغيرة من دم . { ثم من مضغة } يعني ثم من جزء مخثر يشبه اللقمة التي مضغت .

                                                                                                                                                                                                              وقوله : { مخلقة } فيه أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : صارت خلقا ، وغير مخلقة ما قذفته الرحم نطفة ; قاله ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : تامة الخلق ، وغير تامة الخلق قال قتادة .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : معناه مصورة وغير مصورة كالسقط قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                              الرابع : يريد تامة الشهور ، وغير تامة . [ ص: 272 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية :

                                                                                                                                                                                                              قد قدمنا شيئا من القول في هذا الغرض ، ونحن الآن نفيض فيه بما إذا اتصل بما في سورة الرعد كان بيانا للمسألة وعرفانا ، فنقول : في ذلك روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال عن السلف : فأما الروايات فقد قدمنا بعضها ونعيد منها هاهنا الرواية الأولى : روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، حدثنا داود عن عامر عن علقمة عن ابن مسعود نحوه ، وعن ابن عمر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه ، فقال : أي رب ؟ ذكر أم أنثى ؟ شقي أم سعيد ؟ ما الأجل ؟ ما الأثر ؟ وبأي أرض تموت ؟ قال داود : وشكلت في الخلق والخلق ، فيقال له : انطلق إلى أم الكتاب ، فإنك تجد فيها قصة هذه النطفة ، فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب تتخلق فتأكل رزقها ، وتطأ أثرها ، فإذا جاء أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها ، ثم قرأ عامر : { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة } .

                                                                                                                                                                                                              الثانية : محمد بن أبي عدي عن داود بمثله ، قال عبد الله : إذا استقرت النطفة في الرحم أدارها ملك بكفه ، وقال : أي رب ، مخلقة أو غير مخلقة ؟ قال : فإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دما ، وإن كانت مخلقة قال : أي رب ، أذكر أم أنثى ؟ شقي أم سعيد ؟ ما الرزق ؟ ما الأثر ؟ بأي أرض تموت ؟ وآثار السلف أربعة : الأول : قال عامر في النطفة والعلقة والمضغة : فإذا انتكست في الخلق الرابع كانت نسمة مخلقة ، وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخلقة .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : قال أبو العالية : غير مخلقة : السقط قبل أن يخلق .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال قتادة : تامة وغير تامة . [ ص: 273 ]

                                                                                                                                                                                                              الرابع : قال ابن زيد : المخلقة التي خلق فيها الرأس واليدين والرجلين . وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيئا .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية