الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد

"فتنوا" معناه: أحرقوا، وفتنت الذهب والفضة في النار: أحرقتهما، والفتين: حجارة الحرة السود لأن الشمس كأنها أحرقتها. ومن قال إن هذه الآيات الأواخر في قريش جعل الفتنة الامتحان والتعذيب، ويقوي هذا التأويل بعض التقوية قوله تعالى: ثم لم يتوبوا ; لأن هذا اللفظ في قريش أحكم منه في أولئك الذين قد علم أنهم ماتوا على كفرهم، وأما قريش فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب بعد ذلك وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، و"جهنم والحريق" طبقتان من النار، ومن قال إن النار خرجت فأحرقت الكفار القعود جعل الحريق في الدنيا. و"البطش" الأخذ بقوة وسرعة، "ويبدئ ويعيد" قال الضحاك ، وابن زيد : معناه: "يبدئ" الخلق بالإنشاء و"يعيد" بالحشر، وقال ابن عباس ما معناه: إن ذلك عام في جميع الأشياء، فهي عبارة عن أنه يفعل كل شيء، أي: يبدئ كل ما يبدأ ويعيد كل ما يعاد، وهذان قسمان يستوفيان جميع الأشياء، وقال الطبري : معناه: يبدئ العذاب ويعيده على الكفار.

[ ص: 580 ] و"الغفور الودود" صفتا فعل، الأولى ستر على عباده، والثانية لطف بهم وإحسان إليهم، وخصص العرش بإضافة نفسه إليه تشريفا وتنبيها على أنه أعظم المخلوقات. وقرأ حمزة ، والكسائي ، والمفضل عن عاصم ، والحسن ، وابن وثاب ، والأعمش ، وعمرو بن عبيد : "المجيد" بخفض الدال صفة للعرش، وهذا على أن المجد والتمجد قد يوصف به كثير من الموجودات، وقد قالوا: مجدت الدابة إذا سمنت، وأمجدتها إذا أحسنت عليها، وقالوا: "في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار"، أي كثرت نارهما، وقرأ الباقون والجمهور: "المجيد" بالرفع صفة لله تعالى. وقرأ الجمهور: "ذو العرش"، وروى ابن عامر : "ذي العرش" نعتا لقوله تعالى: إن بطش ربك .

التالي السابق


الخدمات العلمية