الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقا عن طبق فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون

                                                                                                                                                                                                                                        فلا أقسم بالشفق فيه أربعة أقاويل : أحدها : أنه شفق الليل وهو الحمرة ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه بقية ضوء الشمس ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه ما بقي من النهار ، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنه النهار ، رواه ابن أبي نجيح . والليل وما وسق فيه أربعة تأويلات : أحدها : وما جمع ، قاله مجاهد ، قال الراجز


                                                                                                                                                                                                                                        إن لنا قلائصا حقائقا مستوسقات أو يجدن سائقا



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : وما جن وستر ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : وما ساق ، لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مأواه ، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : وما عمل فيه ، قاله ابن جبير ، وقال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        ويوما ترانا صالحين وتارة     تقوم بنا كالواسق المتلبب



                                                                                                                                                                                                                                        اي كالعامل .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 238 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والقمر إذا اتسق فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : إذا استوى ، قاله ابن عباس ، وقولهم اتسق الأمر إذا انتظم واستوى . قال الضحاك : ليلة أربع عشرة هي ليلة السواء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : والقمر إذا استدار ، قاله عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : إذا اجتمع ، قاله مجاهد ، ومعانيها متقاربة . ويحتمل رابعا : إذا طلع مضيئا . لتركبن طبقا عن طبق فيه سبعة تأويلات : أحدها : سماء بعد سماء ، قاله ابن مسعود والشعبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : حالا بعد حال ، فطيما بعد رضيع وشيخا بعد شاب ، قاله عكرمة ، ومنه قول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        كذلك المرء إن ينسأ له أجل     يركب على طبق من بعده طبق



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أمرا بعد أمر ، رخاء بعد شدة ، وشدة بعد رخاء ، وغنى بعد فقر ، وفقرا بعد غنى ، وصحة بعد سقم ، وسقما بعد صحة ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : منزلة بعد منزلة ، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة ، وقوم كانوا مرتفعين في الدنيا فاتضعوا في الآخرة ، قاله سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس : عملا بعد عمل ، يعمل الآخر عمل الأول ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        السادس : الآخرة بعد الأولى ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        السابع : شدة بعد شدة ، حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء ، وفي كل حال من هذه شدة ، وقد روى معناه جابر مرفوعا . والله أعلم بما يوعون فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : بما يسرون في قلوبهم ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 239 ]

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : بما يكتمون من أفعالهم ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : بما يجمعون من سيئاتهم ، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع ما فيه وهو معنى قول ابن زيد . فلهم أجر غير ممنون فيه أربعة تأويلات : أحدها : غير محسوب ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : غير منقوص ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : غير مقطوع ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : غير مكدر بالمن والأذى ، وهو معنى قول الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية