الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون

لما اتضحت الحجة بشواهد التاريخ الذي لا ينكر ذكرت النتيجة المقصودة ، وهو أن ما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - إنما هو ذكر ، وليس أساطير الأولين .

[ ص: 163 ] والذكر : الكلام الذي شأنه أن يذكر ، أي يتلى ويكرر ، وقد تقدم عند قوله تعالى وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر في سورة الحجر ، أي ما كنت بدعا من الرسل فقد أوحينا إليك الذكر ، والذكر : ما أنزل ليقرأه الناس ، ويتلوه تكرارا ; ليتذكروا ما اشتمل عليه ، وتقديم المتعلق المجرور على المفعول للاهتمام بضمير المخاطب .

وفي الاقتصار على إنزال الذكر عقب قوله بالبينات والزبر إيماء إلى أن الكتاب المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو بينة وزبور معا ، أي هو معجزة وكتاب شرع ، وذلك من مزايا القرآن التي لم يشاركه فيها كتاب آخر ، ولا معجزة أخرى ، وقد قال الله تعالى وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون .

وفي الحديث : أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة .

والتبيين : إيضاح المعنى .

والتعريف في الناس للعموم .

والإظهار في قوله تعالى ما نزل إليهم يقتضي أن ماصدق الموصول غير الذكر المتقدم ، إذ لو كان إياه لكان مقتضى الظاهر أن يقال لتبينه : للناس ، ولذا فالأحسن أن يكون المراد بما نزل إليهم الشرائع التي أرسل الله بها محمدا - صلى الله عليه وسلم - ; فجعل القرآن جامعا لها ، ومبينا لها ببليغ نظمه ووفرة معانيه ; فيكون في معنى قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء .

وإسناد التبيين إلى النبيء - عليه الصلاة والسلام - باعتبار أنه المبلغ للناس هذا البيان والأمم على هذا الوجه ؛ لذكر العلة الأصلية في إنزال القرآن .

[ ص: 164 ] وفسر ما نزل إليهم بأنه عين الذكر المنزل ، أي أنزلنا إليك الذكر لتبينه للناس فيكون إظهار في مقام الإضمار لإفادة أن إنزال الذكر إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - هو إنزاله إلى الناس كقوله تعالى لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم .

وإنما أتي بلفظه مرتين للإيماء إلى التفاوت بين الإنزالين : فإنزاله إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - مباشرة ، وإنزاله إلى إبلاغه إليهم .

فالمراد بالتبيين على هذا تبيين ما في القرآن من المعاني ، وتكون اللام لتعليل بعض الحكم الحافة بإنزال القرآن ، فإنها كثيرة ، فمنها أن يبينه النبيء - صلى الله عليه وسلم - فتحصل فوائد العلم والبيان ، كقوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس .

وليس في هذه الآية دليل لمسائل تخصيص القرآن بالسنة ، وبيان مجمل القرآن بالسنة ، وترجيح دليل السنة المتواترة على دليل الكتاب عند التعارض المفروضات في أصول الفقه ، إذ كل من الكتاب والسنة هو تبيين النبيء - صلى الله عليه وسلم - إذ هو واسطته .

وعطف لعلهم يتفكرون حكمة أخرى من حكم إنزال القرآن ، وهي تهيئة تفكر الناس فيه ، وتأملهم فيما يقربهم إلى رضى الله تعالى ، فعلى الوجه الأول في تفسير لتبين للناس يكون المراد أن يتفكروا بأنفسهم في معاني القرآن ، وفهم فوائده ، وعلى الوجه الثاني أن يتفكروا في بيانك ويعوه بأفهامهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية