الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2063 ) مسألة : قال : ( والكفارة عتق رقبة ، فإن لم يمكنه فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) المشهور من مذهب أبي عبد الله ، أن كفارة الوطء في رمضان ككفارة الظهار في الترتيب ، يلزمه العتق إن أمكنه ، فإن عجز عنه انتقل إلى الصيام ، فإن عجز انتقل إلى إطعام ستين مسكينا . وهذا قول جمهور العلماء . وبه يقول الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وعن أحمد رواية أخرى ، أنها على التخيير بين العتق والصيام والإطعام ، وبأيها كفر أجزأه . وهو رواية عن مالك ; لما روى مالك وابن جريج ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، { أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا } . رواه مسلم و ( أو ) حرف تخيير . ولأنها تجب بالمخالفة ، فكانت على التخيير ، ككفارة [ ص: 30 ] اليمين .

                                                                                                                                            وروي عن مالك ، أنه قال : الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في نهار رمضان ، إطعام ستين مسكينا ، أو صيام ذلك اليوم ، وليس التحرير والصيام من كفارة رمضان في شيء . وهذا القول ليس بشيء ; لمخالفته الحديث الصحيح ، مع أنه ليس له أصل يعتمد عليه ، ولا شيء يستند إليه ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع . وأما الدليل على وجوب الترتيب فالحديث الصحيح ، رواه معمر ، ويونس ، والأوزاعي ، والليث ، وموسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر ، وعراك بن مالك ، وإسماعيل بن أمية ، ومحمد بن أبي عتيق ، وغيرهم ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال للواقع على أهله : هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : } لا . وذكر سائر الحديث ، وهذا لفظ الترتيب ، والأخذ بهذا أولى من رواية مالك ; لأن أصحاب الزهري اتفقوا على روايته هكذا ، سوى مالك وابن جريج ، فيما علمنا ، واحتمال الغلط فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه .

                                                                                                                                            ولأن الترتيب زيادة ، والأخذ بالزيادة متعين . ولأن حديثنا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم لفظ الراوي ، ويحتمل أنه رواه ب ( أو ) لاعتقاده أن معنى اللفظين سواء ، ولأنها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين ، فكانت على الترتيب ، ككفارة الظهار والقتل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية