الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله - على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع . ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به ، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها ، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها ، بل انقادت وسلمت وأذعنت ، وما عرفت من الحكمة عرفته ، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته ، ولا جعلت ذلك من شأنها ، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك ، كما في الإنجيل : يا بني إسرائيل لا تقولوا : لم أمر ربنا ؟ ولكن قولوا : بم أمر ربنا ، ولهذا كان سلف هذه الأمة ، التي هي أكمل الأمم عقولا ومعارف وعلوما - لا تسأل نبيها : لم أمر الله بكذا ؟ ولم نهى عن كذا ؟ ولم قدر كذا ؟ ولم فعل كذا ؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والاستسلام ، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم . فأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به ، ثم العزم الجازم على امتثاله ، ثم المسارعة إليه والمبادرة به القواطع والموانع ، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه ، ثم فعله لكونه مأمورا ، بحيث لا يتوقف الإتيان به على معرفة حكمته - فإن ظهرت له فعله وإلا عطله ، فإن هذا ينافي الانقياد ، ويقدح في الامتثال .

قال القرطبي ناقلا عن ابن عبد البر : فمن سأل مستفهما راغبا في [ ص: 342 ] العلم ونفي الجهل عن نفسه ، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه . فلا بأس به ، فشفاء العي السؤال . ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم ، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره . قال ابن العربي : الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة ، وإيضاح سبل النظرة ، وتحصيل مقدمات الاجتهاد ، وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد . قال : فإذا عرضت نازلة ، أتيت من بابها ، ونشدت من مظانها ، والله يفتح وجه الصواب فيها . انتهى . وقال صلى الله عليه وسلم : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . رواه الترمذي وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية