الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فصل في إمالة حروف مخصوصة غير ما تقدم

                                                          ، وهي أحد وعشرون حرفا التورية حيث وقعت الكافرين حيث وقع بالياء مجرورا كان ، أو منصوبا الناس حيث وقع مجرورا ضعافا في سورة النساء آتيك في موضعي النمل المحراب كيف وقع عمران .

                                                          [ ص: 61 ] حيث أتى الإكرام ، إكراههن ، الحواريين في المائدة والصف للشاربين في النحل والصافات والقتال مشارب في يس آنية في الغاشية عابدون عابد في الكافرون و النصارى ، أسارى ، كسالى ، اليتامى ، سكارى حيث وقع تراء الجمعان في الشعراء ، فأما ( التورية ) فأماله أبو عمرو والكسائي وخلف وابن ذكوان .

                                                          واختلف عن حمزة وقالون وورش . فأما حمزة ، فروى الإمالة المحضة عنه من روايتيه العراقيون قاطبة وجماعة من غيرهم ، وهو الذي في المستنير ، والجامع لابن فارس ، والمبهج ، والإرشادين ، والكامل ، والغايتين ، والتجريد ، وغيرها . وبه قرأ الداني عن شيخه أبي الفتح فارس بن أحمد عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن ، وروى عنه الإمالة بين اللفظين جمهور المغاربة ، وغيرهم ، وهو الذي في التذكرة وإرشاد عبد المنعم والتبصرة ، والهداية ، والهادي ، والتلخيصين ، والكافي ، والتيسير ، والعنوان ، والشاطبية ، وبه قرأ الداني على أبي الحسن بن غلبون ، وعلى أبي الفتح أيضا عن قراءته على عبد الله بن الحسين السامري . وأما قالون ، فروى عنه الإمالة بين اللفظين المغاربة قاطبة وآخرون من غيرهم ، وهو الذي في الكامل والهادي ، والتبصرة ، والتذكرة ، والتلخيصين ، والهداية ، وغيرها . وبه قرأ الداني على أبي الحسن بن غلبون وقرأ به أيضا على شيخه أبي الفتح عن قراءته على السامري يعني من طريق الحلواني ، وهو ظاهر التيسير ، وروى عنه الفتح العراقيون قاطبة وجماعة من غيرهم ، وهو الذي في الكفايتين والإرشاد والغايتين والتذكار والمستنير ، والجامع ، والكامل ، والتجريد ، وغيرها . وبه قرأ الداني على أبي الفتح أيضا عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن يعني من طريق أبي نشيط ، وهي الطريق التي في التيسير ، وذكره غيره فيه خروج عن طريقه ، وقد ذكر الوجهين جميعا الشاطبي والصفراوي ، وغيرهما .

                                                          وأما صاحب المبهج فمقتضى ما ذكره في سورة آل عمران أن يكون له الفتح ومقتضى ما ذكره في باب الإمالة بين بين ، وهو الصحيح من طرقه . وأما ورش ، فروى عنه الإمالة المحضة الأصبهاني ، وروى عنه

                                                          [ ص: 62 ] بين بين الأزرق ، والباقون بالفتح ، وأما الكافرين فأماله أبو عمرو والكسائي من رواية الدوري ورويس عن يعقوب ، ووافقهم روح في النمل ، وهو من قوم كافرين ، واختلف عن ابن ذكوان فأماله الصوري عنه وفتحه الأخفش ، وأماله بين بين ورش من طريق الأزرق وفتحه الباقون ، وانفرد بذلك صاحب العنوان عن الأزرق عن ورش ، فخالف سائر الناس عنه . وانفرد أبو القاسم الهذلي عن ابن شنبوذ عن قنبل بإمالة بين بين ، ولا نعرفه لغيره - والله أعلم - .

                                                          وأما الناس فاختلف فيه عن أبي عمرو من رواية الدوري ، فروى إمالته أبو طاهر بن أبي هاشم عن أبي الزعراء عنه ، وهو الذي في التيسير ، وذلك أنه أسند رواية الدوري فيه عن عبد العزيز بن جعفر الفارسي عن أبي طاهر المذكور ، وقال في باب الإمالة : وأقرأني الفارسي عن قراءته على أبي طاهر في قراءة أبي عمرو بإمالة فتحة النون من الناس في موضع الجر حيث وقع ، وذلك صريح في أن ذلك من رواية الدوري ، وبه كان يأخذ أبو القاسم الشاطبي في هذه الرواية ، وهو رواية جماعة من أصحاب اليزيدي عنه عن أبي عمرو كأبي عبد الرحمن بن اليزيدي وأبي حمدون وابن سعدون ، وغيرهم ، وذلك كان اختيار أبي عمرو الداني من هذه الرواية . قال في جامع البيان واختياري في قراءة أبي عمرو من طريق أهل العراق الإمالة المحضة في ذلك لشهرة من رواها عن اليزيدي وحسن اطلاعهم ووفور معرفتهم . ثم قال : وبذلك قرأت على الفارسي عن قراءته على أبي طاهر بن أبي هاشم ، وبه آخذ . قال : وقد كان ابن مجاهد رحمه الله يقرئ بإخلاص الفتح في جميع الأحوال ، وأظن ذلك اختيارا منه واستحسانا في مذهب أبي عمرو وترك لأجله ما قرأه على الموثوق به من أئمته إذ قد فعل ذلك في غير ما حرف وترك المجمع فيه عن اليزيدي ومال إلى رواية غيره إما لقوتها في العربية ، أو لسهولتها على اللفظ ولقربها على المتعلم ؛ من ذلك إظهار الراء الساكنة عند اللام ، وكسر هاء الضمير المتصلة بالفعل المجزوم من غير صلة ، وإشباع الحركة في بارئكم و يأمركم .

                                                          [ ص: 63 ] ونظائرهما ، وفتح الهاء والخاء في يهدي و يخصمون ، وإخلاص فتح ما كان من الأسماء المؤنثة على فعلى وفعلى وفعلى في أشباه لذلك ترك فيه رواية اليزيدي واعتمد على غيرها من الروايات عن أبي عمرو لما ذكرناه ، فإن كان فعل في الناس كذلك وسلك تلك الطريقة في إخلاص فتحه لم يكن إقراؤه بإخلاص الفتح حجة يقطع بها على صحته ، ولا يدفع بها رواية من خالفه ، على أنه قد ذكر في كتاب قراءة أبي عمرو من رواية أبي عبد الرحمن في إمالة الناس في موضع الخفض ، ولم يتبعها خلافا من أحد من الناقلين عن اليزيدي ، ولا ذكر أنه قرأ بغيرها كما يفعل ذلك فيما يخالف قراءته رواية غيره ؛ فدل ذلك على أن الفتح اختيار منه - والله أعلم - .

                                                          قال : وقد ذكر عبد الله بن داود الحربي عن أبي عمرو أن الإمالة في الناس في موضع الخفض لغة أهل الحجاز وأنه كان يميله انتهى ، ورواه الهذلي من طريق ابن فرح عن الدوري ، وعن جماعة عن أبي عمرو ، وروى سائر الناس عن أبي عمرو من رواية الدوري ، وغيره الفتح ، وهو الذي اجتمع عليه العراقيون ، والشاميون ، والمصريون والمغاربة ، ولم يرووه بالنص عن أحد في رواية أبي عمرو إلا من طريق أبي عبد الرحمن بن اليزيدي وسبطه أبي جعفر أحمد بن محمد - والله أعلم - .

                                                          والوجهان صحيحان عندنا من رواية الدوري عن أبي عمرو وقرأنا بهما ، وبهما نأخذ ، وقرأ الباقون بالفتح والله الموفق ، وأما ضعافا فأماله حمزة من رواية خلف ، واختلف عن خلاد ، فروى أبو علي بن بليمة صاحب التلخيص إمالته وأطلق الوجهين صاحب التيسير ، والشاطبية ، والتبصرة ، والتذكرة ، ولكن قال في التيسير : إنه بالفتح يأخذ له ، وقال في المفردات : إنه قرأ على أبي الفتح بالفتح ، وعلى أبي الحسن بالوجهين ، واختار صاحب التبصرة الفتح ، وقال ابن غلبون في تذكرته : واختلف عن خلاد ، فروى عنه الإمالة والفتح وأنا آخذ له بالوجهين كما قرأت ( قلت ) : وبالفتح قطع العراقيون قاطبة ، وجمهور أهل الأداء ، وهو المشهور عنه - والله أعلم - .

                                                          وأما آتيك فأماله في الموضعين خلف في اختياره عن حمزة ، واختلف عن خلاد أيضا فيهما ، فروى

                                                          [ ص: 64 ] الإمالة أبو عبد الله بن شريح في الكافي ، وابن غلبون في تذكرته ، وأبوه في إرشاده ومكي في تبصرته ، وابن بليمة في تلخيصه وأطلق الإمالة لحمزة بكماله ابن مجاهد وأطلق الوجهين في الشاطبية ، وكذلك في التيسير ، وقال : إنه يأخذ بالفتح .

                                                          وقال في جامع البيان إنه هو الصحيح عنه ، وبه قرأ على أبي الفتح وبالإمالة على أبي الحسن . والفتح مذهب جمهور من العراقيين ، وغيرهم ، وانفرد سبط الخياط في كفايته فلم يذكر في رواية إدريس عن خلف في اختياره إمالة فخالف سائر الناس - والله أعلم - .

                                                          وأما المحراب فأماله ابن ذكوان من جميع طرقه إذا كان مجرورا ، وذلك موضعان يصلي في المحراب في آل عمران و فخرج على قومه من المحراب في مريم ، واختلف عنه في المنصوب ، وهو موضعان أيضا كلما دخل عليها زكريا المحراب في آل عمران ، و إذ تسوروا المحراب في ص فأماله فيهما النقاش عن الأخفش من طريق عبد العزيز بن جعفر ، وبه قرأ الداني عليه ، وعلى أبي الفتح فارس ، ورواه أيضا هبة الله عن الأخفش ، وهي رواية محمد بن يزيد الإسكندراني عن ابن ذكوان وفتحه عنه الصوري وابن الأخرم عن الأخفش وسائر أهل الأداء من الشاميين ، والمصريين ، والعراقيين ، والمغاربة ، ونص على الوجهين لابن ذكوان صاحب التيسير ، والشاطبية ، والإعلان ، وكذلك هو في المستنير من طريق هبة الله ، وفي المبهج من طريق الإسكندراني ، وفي جامع البيان من رواية الثعلبي وابن المعلى وابن أنس كلهم عن ابن ذكوان ، ونص عليه الأخفش في كتابه الخاص - والله أعلم - .

                                                          وأما عمران ، وهو في قوله آل عمران ، و امرأة عمران ، ابنت عمران و الإكرام وهو الموضعان في سورة الرحمن ، إكراههن ، وهو في النور فاختلف عن ابن ذكوان فيها ، فروى بعضهم إمالة هذه الثلاثة الأحرف عنه ، وهو الذي لم يذكر في التجريد غيره ، وذلك من طريق الأخفش عنه ، ومن طريق النقاش وهبة الله بن جعفر وسلامة بن هارون وابن شنبوذ وموسى بن عبد الرحمن خمستهم عن الأخفش ، ورواه أيضا في العنوان ، وذلك من طريق ابن شنبوذ وسلامة

                                                          [ ص: 65 ] ابن هارون
                                                          ، وذكره في التيسير من قراءته على أبي الفتح ، ولكنه منقطع بالنسبة إلى التيسير فإنه لم يقرأ على أبي الفتح بطريق النقاش عن الأخفش التي ذكرها في التيسير ، بل قرأ عليه بطريق أبي بكر محمد بن أحمد بن مرشد المعروف بابن الزرز وموسى بن عبد الرحمن بن موسى وأبي طاهر محمد بن سليمان البعلبكي وأبي الحسن بن شنبوذ وأبي نصر سلامة بن هارون خمستهم عن الأخفش ، ورواه أيضا العراقيون قاطبة من طريق هبة الله بن جعفر عن الأخفش ، ورواه صاحب المبهج عن الإسكندراني عن ابن ذكوان ، وروى سائر أهل الأداء من أصحاب الكتب ، وغيرهم عن ابن ذكوان الفتح ، وهو الثابت من طرقنا سوى من ذكرنا من طريق النقاش ، وكلاهما صحيح عن الأخفش ، وعن ابن ذكوان أيضا ، وقد ذكرهما جميعا أبو القاسم الشاطبي . والصفراوي - والله أعلم - .

                                                          وأما الحواريين فاختلف في إمالته عن الصوري عن ابن ذكوان ، فروى إمالته في الموضعين زيد من طريق الإرشاد لأبي العز ، وكذلك الحافظ أبو العلاء من طريق القباب ، ونص أبو العز في الكفاية على حرف الصف فقط ، وكذلك في المستنير وجامع ابن فارس والصحيح إطلاق الإمالة في الموضعين عنه كما ذكره الحافظ أبو العلاء - والله أعلم - .

                                                          وأما للشاربين فاختلف فيه عن ابن ذكوان فأماله عنه الصوري وفتحه الأخفش ، ولم يذكر إمالته في المبهج لغير المطوعي عنه ، والوجهان صحيحان عن ابن ذكوان - والله أعلم - .

                                                          وأما مشارب فاختلف فيه عن هشام وابن ذكوان جميعا ، فروى إمالته عن هشام جمهور المغاربة ، وغيرهم ، وهو الذي في التيسير ، والشاطبية ، والكافي ، والتذكرة ، والتبصرة ، والهداية ، والهادي ، والتلخيص ، والتجريد ، من قراءته على عبد الباقي ، وغيرها . وكذا رواه الصوري عن ابن ذكوان ، ورواه الأخفش عنه بالفتح ، وكذا رواه الداجوني عن هشام .

                                                          وأما آنية فاختلف فيه عن هشام ، فروى إمالته الحلواني ، وبه قرأ صاحب التجريد على عبد الباقي ، وهو الذي لم تذكر المغاربة عن هشام سواه ، وروى فتحه الداجوني ، وهو الذي لم يذكر العراقيون عن هشام سواه

                                                          [ ص: 66 ] ، وكلاهما صحيح به قرأنا ، وبه نأخذ وأما عابدون - كلاهما - و عابد ، وهي في الكافرون فاختلف فيه أيضا عن هشام ، فروى إمالته الحلواني عنه ، وروى فتحه الداجوني ، وأما الألف بعد الصاد من النصارى ، نصارى ، وبعد السين من أسارى ، كسالى ، وبعد التاء من اليتامى . و يتامى ، وبعد الكاف من سكارى فاختلف فيها عن الدوري عن الكسائي فأمالها أبو عثمان الضرير عنه تباعا لإمالة ألف التأنيث وما قبلها من الألفاظ الخمسة وفتحها الباقون عن الدوري ، وانفرد صاحب المبهج عنه أيضا عن الدوري بإمالته أول كافر به فخالف سائر الرواة من الطرق المذكورة وأمال تراء الجمعان فأمال الراء دون الهمزة حال الوصل حمزة وخلف ، وإذا وقفا أمالا الراء والهمزة جميعا ومعهما الكسائي في الهمزة فقط على أصله المتقدم في ذوات الياء ، وكذا ورش على أصله فيها من طريق الأزرق بين بين بخلاف عنه فاعلم ذلك وشذ الهذلي ، فروى إمالة ذلك ، ذلكم عن ابن شنبوذ عن قنبل وأحسبه غلطا - والله أعلم - .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية