الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 385 ] 7 - باب

                                إذا دعت الأم ولدها في الصلاة

                                1148 1206 - وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " نادت امرأة ابنها وهو في صومعته، فقالت: يا جريج، فقال: اللهم أمي وصلاتي، فقالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه المياميس، وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم، فولدت، فقيل لها: ممن هذا الولد؟ قالت: من جريج، نزل من صومعته، قال: جريج: أين هذه التي تزعم أن ولدها لي؟ قال: يا بابوس من أبوك ؟ قال: راعي الغنم".

                                التالي السابق


                                هكذا ذكره هاهنا تعليقا، من رواية الأعرج ، عن أبي هريرة .

                                وقد خرجه في آخر " الغصب"، وفي " أخبار بني إسرائيل " مسندا، من رواية جرير بن حازم ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، بتمامه.

                                و" المياميس": جمع مومسة، وهي البغي، وتجمع على مياميس، قاله أبو زيد .

                                وهكذا في جميع روايات البخاري .

                                وقيل: إنما تجمع على " مواميس" بالواو; لأن الكلمة من ذوات الواو.

                                ورواه بعضهم " المأميس" - بالهمزة.

                                [ ص: 386 ] و" البابوس" هو الصغير الرضيع من بني آدم، وهو الصغير من أولاد الإبل أيضا.

                                وقيل: إنه اسم لذلك المولود، وهو بعيد.

                                وفي الحديث: دليل على تقديم الوالدة على صلاة التطوع، وأنها إذا دعت ولدها في الصلاة فإنه يقطع صلاته ويجيبها.

                                قال حميد بن زنجويه في " كتاب الأدب ": نا الحسن بن الوليد ، نا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن المنكدر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا دعاك أبواك وأنت تصلي فأجب أمك ولا تجب أباك ".

                                وبإسناد، عن شبيب بن يزيد ، قال: مكتوب في التوراة: إذا دعتك أمك وأنت تصلي، فقل: لبيك، فإذا دعاك أبوك، فقل: سبحان الله.

                                ومرسل ابن المنكدر قد رواه يزيد بن هارون ، عن ابن أبي ذئب ، عن ابن المنكدر ، فذكره.

                                فتبين أنه لم يسمعه ابن أبي ذئب من ابن المنكدر .

                                وقال حرب : قيل لأحمد : الحديث الذي جاء: " إذا دعاك أبوك وأنت في الصلاة فأجبه" ؟ فرأيته يضعف الحديث.

                                وقال الأوزاعي ، عن مكحول : إذا دعتك أمك وأنت في الصلاة فأجب أمك، ولا تجب أباك.

                                قال الوليد بن مسلم : قلت للأوزاعي : في المكتوبة يجيبها؟ قال: نعم، وهل وجه إلا ذلك؟ ثم قال: يؤذنها في المكتوبة بتسبيحة، وفي التطوع يؤذنها بتلبية.

                                [ ص: 387 ] ووجه التفريق بينهما: أن الأم برها آكد من بر الأب; ولهذا وصى النبي - صلى الله عليه وسلم- ببرها ثلاث مرات، ثم وصى ببر الأب بعده.

                                قال الحسن : للأم ثلثا البر.

                                وقد روي، عنه في رجل حلف عليه أبوه بكلام، وحلفت عليه أمه بخلافه؟ قال: يطيع أمه.

                                وقال عطاء ، في رجل أقسمت عليه أمه أن لا يصلي إلا الفريضة، ولا يصوم إلا رمضان، قال: يطيعها.

                                وإنما قدم طاعتها على التطوع; لأن طاعتها واجبة، وهذا يشترك فيه الوالدان.

                                وقد سوى أصحابنا بينهما في إجابتهما في الصلاة، وقالوا: لا تجب إجابتهما فيها، وتبطل الصلاة.

                                لكن إذا كان في نفل خرج وأجابهما، بخلاف إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصلاة لمن دعاه; فإنها كانت واجبة، نص عليه أحمد ، وقال: لا تبطل بها الصلاة.

                                وكذلك قاله إسحاق بن راهويه ، وذكر أن ذلك من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليست لأحد بعده.

                                وكذلك هو الصحيح من مذهب الشافعي وأصحابه.

                                واستدلوا بأن المصلي يقول في صلاته: " السلام عليك أيها النبي"، ولو خاطب بذلك غيره لبطلت صلاته.

                                ولو قيل بوجوب إجابة الأم في الصلاة، وأنها لا تبطل بها الصلاة، لم يبعد، وهو ظاهر قول مكحول والأوزاعي ، كما سبق.

                                [ ص: 388 ] وكذا قال الأوزاعي في تحذير الضرير والصبي في الصلاة من الوقوع في بئر ونحوها: أنه لا بأس به.

                                وفي الحديث دليل على استجابة دعاء الأم على ولدها.

                                قال بعض السلف: يستجاب دعاؤها عليه، وإن كانت ظالمة.

                                وفي حديث أبي هريرة المرفوع: " ثلاث دعوات تستجاب، لا شك فيهن" فذكر منها: " ودعوة الوالدين على ولدهما".

                                وعن ابن مسعود ، قال: ثلاث لا ترد دعوتهم: الوالد، والمظلوم، والمسافر.



                                الخدمات العلمية