الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ 88 ] .

                                                                                                                                                                                                                                        فتحداهم النبي - صلى الله عليه وسلم – بذلك ، فعجزوا عنه من جهات إحداها وصف القرآن الذي أعجزهم أن يأتوا بمثله ، وذلك أن الرجل منهم كان يسمع السورة أو الآية الطويلة ، ثم يسمع بعدها سمرا أو حديثا ، فيتباين ما بين ذينك من إعجاز التأليف أنه لا يوجد في كلام أحد من المخلوقين أمر ونهي ووعظ وتنبيه وخبر وتوبيخ وغير ذلك ، ثم يكون كله متألفا . ومن إعجازه أنه لا يتغير ، وليس كلام أحد من [ ص: 440 ] المخلوقين يطول إلا تغير بتناقض أو رداءة . ومن إعجازه الحذف والاختصار والإيجاز ودلالة اللفظ اليسير على المعنى الكثير ، وإن كان في كلام العرب الحذف والاختصار والإيجاز فإن في القرآن من ذلك ما هو معجز ، نحو قوله - جل وعز - : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أي إذا كان بينك وبين قوم عهد فخفت منهم وأردت أن تنقض العهد فانبذ إليهم عهدهم ، أو قل قد نبذت إليكم عهدكم ، أي قد رميت به لتكون أنت وهم على سواء في العلم ، فإنك إن لم تفعل ذلك ونقضت عهدهم كانت خيانة ، والله لا يحب الخائنين . فمثل هذا لا يوجد في كلام العرب على دلالة هذه المعاني والفصاحة التي فيه ، ومن إعجاز القرآن ما فيه من علم الغيوب بما لم يكن ، إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما سئل عن شيء من علم الغيب أجاب عنه ، حتى لقد سئل بمكة فقيل له : رجل أخذه إخوته فباعوه ، ثم صار ملكا بعد ذلك ، وكانت اليهود أمرت قريشا بسؤاله عنه ، ووجهوا بذلك إليهم من المدينة إلى مكة ، وليس بمكة أحد قرأ الكتب ، فأنزل الله - جل وعز - سورة يوسف - عليه السلام - ، فيها أكثر ما في التوراة من خبر يوسف - عليه السلام - ، فكانت هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة إحياء عيسى - صلى الله عليه وسلم - الميت الذي أحياه بإذن الله - جل وعز - .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية