الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه

حكم الله في هذه الآية بتخليد الكافرين من أهل الكتاب والمشركين -وهم عبدة الأوثان- في النار، وبأنهم شر البرية، و"البرية" جميع الخلق; لأن الله تعالى برأهم، أي أوجدهم بعد العدم. وقرأ نافع ، وابن عامر ، والأعرج : "البريئة" بالهمز من "برأ"، وقرأ الباقون والجمهور: "البرية" بشد الياء بغير همز، على التسهيل، والقياس الهمز إلا أن هذا مما ترك همزه كالنبي والذرية، وقرأ بعض النحويين: البرية مأخوذ من البرى وهو التراب، وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ وغلطا، غير مرضى.

و الذين آمنوا وعملوا الصالحات شروط تعم جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن آمن بنبيه من الأمم الماضية. وقرأ جمهور الناس "خير"، وقرأ بعض قراء مكة: "خيار" بألف، وروي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية: أولئك هم خير البريئة ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه "أنت يا علي وشيعتك"، ذكره الطبري ، وفى الحديث أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية ، فقال له: "ذلك إبراهيم عليه السلام.

[ ص: 665 ] وقوله تعالى: جزاؤهم عند ربهم جنات فيه حذف مضاف تقديره: سكنى جنات، أو دخول جنات، و"العدن" الإقامة والدوام، عدن بالموضع: أقام، ومنه المعدن لأنه رأس ثابت، وقال ابن مسعود : جنات عدن: بطنان الجنة، أي وسطها.

وقوله تعالى: رضي الله عنهم ورضوا عنه قيل: ذلك في الدنيا، فرضاه عنهم هو ما أظهر عليهم من أمارات رحمته وغفرانه، ورضاهم عنه هو رضاهم بجميع ما قسم لهم من جميع الأرزاق والأقدار، وقال بعض الصالحين: رضى العباد عن الله تعالى رضاهم بما يرد من أحكامه، ورضاه عنهم أن توفيقهم للرضا عنه، وقال أبو بكر بن طاهر: الرضا عن الله تعالى خروج الكراهية من القلب حتى لا يكون إلا فرح وسرور، وقال سري السقطي : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تطلب منه أن يرضى عنك؟ وقيل: ذلك في الآخرة، فرضاهم عنه هو رضاهم بما من عليهم به من النعم، ورضاه عنهم هو ما روي من أن الله تعالى يقول لأهل الجنة: "هل رضيتم بما أعطيتكم؟" فيقولون نعم ربنا، وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين؟ فيقول: "أفلا أعطيتكم أفضل من كل ما أعطيتكم؟ رضواني فلا أسخط عليكم أبدا"، وخص تعالى الله بالذكر أهل الخشية لأنها رأس كل بركة، الناهية عن المعاصي، الآمرة بالمعروف.

كمل تفسير سورة [لم يكن] والحمد لله رب العالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية