الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2613 باب في الغيلة

                                                                                                                              وقال النووي : (باب جواز الغيلة "وهي وطء المرضع"، وكراهة العزل)

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 16 - 17 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [حدثنا عبيد الله بن سعيد ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا المقرئ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت [ ص: 276 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس ، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئا" ثم سألوه عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي" زاد عبيد الله في حديثه عن المقرئ وهي وإذا الموءودة سئلت ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جذامة بنت وهب الأسدية) .

                                                                                                                              ذكر مسلم اختلاف الرواة فيها، هل هي بالدال المهملة، أم بالذال المعجمة؟.

                                                                                                                              قال: والصحيح أنها بالدال. "يعني: المهملة ". وهكذا قال جمهور العلماء. والجيم مضمومة بلا خلاف.

                                                                                                                              (أخت عكاشة) رضي الله عنهما. قال بعضهم: لعلها جدامة بنت وهب أخي عكاشة، "وأخت عكاشة" تصحيف.

                                                                                                                              قال عياض : هذا على قول من قال: إنها جدامة بنت وهب بن محصن.

                                                                                                                              وقال آخرون: هي أخت رجل آخر، يقال له: عكاشة بن وهب.

                                                                                                                              ليس بعكاشة بن محصن المشهور. [ ص: 277 ] وقال الطبري: هي جدامة بنت جندل. هاجرت. قال: والمحدثون قالوا فيها: جدامة بنت وهب. انتهى

                                                                                                                              قال النووي : والمختار أنها جدامة بنت وهب، الأسدية، أخت عكاشة بن محصن. وتكون أخته من أمه.

                                                                                                                              وفي " عكاشة " لغتان: تشديد الكاف، وتخفيفها. والتشديد أفصح وأشهر.

                                                                                                                              قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون") بضم الياء. من (أغال يغيل) .

                                                                                                                              (أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئا) .

                                                                                                                              قال أهل اللغة: "الغيلة" هنا بكسر الغين. ويقال لها: "الغيل" بالفتح، مع حذف الهاء. "والغيال"، بالكسر، كما ذكره مسلم في الرواية الأخرى.

                                                                                                                              وقال جماعة منهم: "الغيلة"، بالفتح: المرة الواحدة. وبالكسر:

                                                                                                                              الاسم من الغيل.

                                                                                                                              وقيل: إن أريد بها وطء المرضع: جاز "الغيلة، والغيلة". بالكسر والفتح.

                                                                                                                              [ ص: 278 ] قال في النيل: المراد بها: أن يجامع امرأته وهي مرضع.

                                                                                                                              وبه قال مالك في الموطأ، والأصمعي. ويقال منه: أغال الرجل وأغيل: إذا فعل ذلك.

                                                                                                                              وقال ابن السكيت: هي أن ترضع المرأة وهي حامل. ويقال منه:

                                                                                                                              "غالت وأغيلت". وذلك لما يحصل على الرضيع، من الضرر بالحبل حال إرضاعه. فكان ذلك سبب همه صلى الله عليه وآله وسلم بالنهي.

                                                                                                                              ولكنه لما رأى أنها لا تضر فارس والروم، ترك النهي عنها. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : اختلف العلماء في المراد "بالغيلة"، في هذا الحديث. وهي "الغيل". ثم ذكر القولين المذكورين.

                                                                                                                              قال: والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء. والعرب تكرهه وتتقيه. قال: وفي الحديث: جواز الغيلة. فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها. وبين سبب ترك النهي.

                                                                                                                              قال: وفيه: جواز الاجتهاد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبه قال جمهور أهل الأصول.

                                                                                                                              وقيل: لا يجوز، لتمكنه من الوحي. والصواب: الأول.

                                                                                                                              [ ص: 279 ] ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك الوأد الخفي". زاد عبيد الله في حديثه عن المقرئ: وهي { وإذا الموءودة سئلت } . "الوأد": دفن البنت وهي حية. وكانت العرب تفعله خشية الإملاق. وربما فعلوه خوف العار.

                                                                                                                              والموءودة: البنت المدفونة حية. يقال: وأدت المرأة ولدها وأدا.

                                                                                                                              قيل: سميت "موءودة" لأنها تثقل بالتراب. ووجه تسميته: "وأدا"، هو مشابهته الوأد في تفويت الحياة.

                                                                                                                              ومعنى الزيادة المذكورة في هذا الحديث: أن العزل يشبه الوأد، المذكور في هذه الآية الشريفة.

                                                                                                                              وفي الحديث: النهي عن العزل. واحتج به ابن حبان، على المنع منه.

                                                                                                                              ومن العلماء: من جمع بين هذا، وبين ما قبله من حديث جابر، فحمل هذا على التنزيه. وهذه طريقة البيهقي.

                                                                                                                              ومنهم: من ضعف حديث جدامة هذا، لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا.

                                                                                                                              قال الحافظ: وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم. والحديث صحيح لا ريب فيه. والجمع ممكن. [ ص: 280 ] ومنهم: من ادعى أنه منسوخ. ورد بعدم معرفة التاريخ.

                                                                                                                              قال الطحاوي: يحتمل أن يكون حديث جدامة، على وفق ما كان عليه الأمر أولا: من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم، فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه. وتعقبه ابن رشد، وابن العربي: بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يحرم شيئا تبعا لليهود، ثم يصرح بتكذيبهم فيه.

                                                                                                                              ومنهم: من رجح حديث جدامة بثبوته في الصحيح، وضعف مقابله بالاختلاف في إسناده، والاضطراب.

                                                                                                                              قال الحافظ: ورد بأنه إنما يقدح في حديث، لا فيما يقوي بعضه بعضا، فإنه يعمل به. وهو هنا كذلك. والجمع ممكن.

                                                                                                                              ورجح "ابن حزم"، العمل بحديث جدامة: بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة، وحديثها يدل على المنع. فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع: فعليه البيان. وتعقب: بأن حديثها ليس بصريح في المنع، إذ لا يلزم من تسميته: وأدا خفيا على طريق التشبيه: أن يكون حراما.

                                                                                                                              وجمع ابن القيم فقال: الذي كذب فيه صلى الله عليه وآله وسلم اليهود، هو زعمهم: أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا، وجعلوه منزلة قطع النسل بالوأد. فأكذبهم، وأخبر: أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه. وإذا لم يرد خلقه، لم يكن وأدا حقيقة. وإنما سماه: "وأدا خفيا"، في حديث جذامة: لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل، [ ص: 281 ] فأجرى قصده لذلك، مجرى الوأد. لكن الفرق بينهما: أن الوأد ظاهر بالمباشرة، اجتمع فيه القصد والفعل. والعزل يتعلق بالقصد فقط. فلذلك وصفه بكونه: "خفيا". قال في النيل: وهذا الجمع قوي. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية