الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            النوع الرابع عشر من المحرمات :

                                                                                                                                                                                                                                            ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            فيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الإحصان في اللغة المنع ، وكذلك الحصانة ، يقال : مدينة حصينة ودرع حصينة ، أي : مانعة صاحبها من الجراحة . قال تعالى : ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ) [ الأنبياء : 80 ] معناه لتمنعكم وتحرزكم ، والحصن الموضع الحصين لمنعه من يريده بالسوء ، والحصان بالكسر الفرس الفحل ، لمنعه صاحبه من الهلاك ، والحصان بالفتح المرأة العفيفة لمنعها فرجها من الفساد ، قال تعالى : ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ) [ التحريم : 12 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن لفظ الإحصان جاء في القرآن على وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : الحرية كما في قوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ) [ النور : 4 ] يعني الحرائر ، ألا ترى أنه لو قذف غير حر لم يجلد ثمانين ، وكذلك قوله : ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] يعني الحرائر ، وكذلك قوله : ( ومن لم يستطع ) [ ص: 33 ] ( منكم طولا أن ينكح المحصنات ) [ النساء : 25 ] ، أي : الحرائر .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : العفاف ، وهو قوله ( محصنات غير مسافحات ) [ النساء : 25 ] ، وقوله : ( محصنين غير مسافحين ) [ المائدة : 5 ] ، وقوله : ( والتي أحصنت فرجها ) [ الأنبياء : 91 ] أي : أعفته .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : الإسلام ، من ذلك قوله : ( فإذا أحصن ) [ النساء : 25 ] قيل في تفسيره : إذا أسلمن .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : كون المرأة ذات زوج يقال : امرأة محصنة إذا كانت ذات زوج ، وقوله : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) يعني ذوات الأزواج ، والدليل على أن المراد ذلك أنه تعالى عطف المحصنات على المحرمات ، فلا بد وأن يكون الإحصان سببا للحرمة ، ومعلوم أن الحرية والعفاف والإسلام لا تأثير له في ذلك ، فوجب أن يكون المراد منه المزوجة ؛ لأن كون المرأة ذات زوج له تأثير في كونها محرمة على الغير .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الوجوه الأربعة مشتركة في المعنى الأصلي اللغوي ، وهو المنع ، وذلك لأنا ذكرنا أن الإحصان عبارة عن المنع ، فالحرية سبب لتحصين الإنسان من نفاذ حكم الغير فيه ، والعفة أيضا مانعة للإنسان عن الشروع فيما لا ينبغي ، وكذلك الإسلام مانع من كثير مما تدعو إليه النفس والشهوة ، والزوج أيضا مانع للزوجة من كثير من الأمور ، والزوجة مانعة للزوج من الوقوع في الزنا ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " من تزوج فقد حصن ثلثي دينه " فثبت أن المرجع بكل هذه الوجوه إلى ذلك المعنى اللغوي ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الواحدي : اختلف القراء في " المحصنات " فقرءوا بكسر الصاد وفتحها في جميع القرآن إلا التي في هذه الآية فإنهم أجمعوا على الفتح فيها ، فمن قرأ بالكسر جعل الفعل لهن يعني : أسلمن واخترن العفاف ، وتزوجن وأحصن أنفسهن بسبب هذه الأمور ، ومن قرأ بالفتح جعل الفعل لغيرهن ، يعني أحصنهن أزواجهن ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية