الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                أراد عز وجل أن يريهم عظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغير إذنه إذا كانوا معه على أمر جامع فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسله ، وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره ، وذلك مع تصدير الجملة بإنما وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين ، ثم عقبه بما يزيده توكيدا وتشديدا ، حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله : إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله وضمنه شيئا آخر ، وهو : أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين ، وعرض بحال المنافقين وتسللهم لواذا . ومعنى قوله لم يذهبوا حتى يستأذنوه لم يذهبوا حتى يستأذنوه ويأذن لهم . ألا تراه كيف علق الأمر بعد وجود استئذانهم بمشيئته وإذنه لمن استصوب أن يأذن له . والأمر الجامع : الذي يجمع له الناس ، فوصف الأمر بالجمع على سبيل المجاز ، وذلك نحو مقاتلة عدو ، أو تشاور في خطب مهم ، أو تضام لإرهاب مخالف ، أو تماسح في حلف وغير ذلك . أو الأمر الذي يعم بضرره أو بنفعه . وقرئ : "أمر جميع " . وفي قوله : وإذا كانوا معه على أمر جامع أنه خطب جليل لا بد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه من ذوي رأي وقوة ، يظاهرونه عليه ويعاونونه ويستضيء بآرائهم ومعارفهم وتجاربهم في كفايته ، فمفارقة أحدهم في مثل تلك الحال مما يشق على قلبه ويشعث عليه رأيه . فمن ثمة غلظ عليهم وضيق عليهم الأمر في الاستئذان ، مع العذر المبسوط ومساس الحاجة إليه ، واعتراض ما يهمهم ويعنيهم ، وذلك قوله : لبعض شأنهم ، وذكر الاستغفار للمستأذنين : دليل على أن الأحسن الأفضل أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا فيه . وقيل : نزلت في حفر الخندق وكان قوم يتسللون بغير [ ص: 328 ] إذن . وقالوا : كذلك ينبغي أن يكون الناس مع أئمتهم ومقدميهم في الدين والعلم يظاهرونهم ولا يخذلونهم في نازلة من النوازل ولا يتفرقون عنهم . والأمر في الإذن مفوض إلى الإمام : إن شاء أذن وإن شاء لم يأذن ، على حسب ما اقتضاه رأيه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية