إن الله لا يخلف الميعاد
قال الله تعالى:
[ ص: 4054 ] nindex.php?page=treesubj&link=28723_29677_33678_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=51ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب
كان النهي في الآيات السابقة عن أن يحسب أن الله تعالى تارك الظالمين وما يفعلونه، غير منزل بهم ما يستحقون من عقاب، جزاء وفاقا لما يفعلون، وهنا في هذه الآيات يبين الله تعالى أنه منزل هذا العقاب لأنه جزاؤهم، ولأنه قد وعد رسله به، وإن الله تعالى لا يخلف رسله ما وعدهم به.
قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله و
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47رسله مفعول للوعد، أي لا تحسبن الله مخلف ما وعد الرسل، وقدم الوعد على الرسل للإشارة إلى أن إخلاف الميعاد ليس أمرا جائزا بالنسبة لله، سواء أكان من وعده رسولا أم كان غير رسول.
وقد وعد الله رسله بالغلب، وأن يكون السلطان للحق، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21لأغلبن أنا ورسلي وقد بين تعالى أن الغلب لهم في هذه الآية، فقال تعالت كلماته:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47إن الله عزيز ذو انتقام nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47عزيز معناه غالب قوي مسيطر يعز من يشاء ويذل من يشاء، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47ذو انتقام أي صاحب انتقام للحق من الباطل، وللضعفاء من الأقوياء، والانتقام معناه مجازاة المسيء بما أساء وأن يقتص بالحق من القوي للضعيف، وأن تكون العقوبة على قدر الجريمة، فأساس العقاب في الشريعة أوفى، أي يكون العقاب على قدر الجريمة، وأن يكون جزاء وفاقا لها.
[ ص: 4055 ] وهنا يسأل سائل، لماذا عبر سبحانه في الجزاء بالانتقام؟ لأن الظالمين من المشركين قد أرهقوا الضعفاء المؤمنين من أمرهم عسرا وصعبوا الاستمساك بالحق وجعلوه مرا فكان لا بد من الجزاء انتقاما من الظالمين لتقر أعين الضعفاء ويذوقوا حلاوة الحق بعد أن ذاقوا مرارته.
وقد يسأل سائل لا يعرف آداب القرآن ولا حكمة الديان: كيف يسمى العقاب انتقاما وهو لإصلاح النفوس لا للانتقام منها، ونظرية الانتقام يبطلها علم القانون، ونقول في الإجابة على ذلك: إن شأن الآخرة هو القصاص من جرائم الدنيا، وأما في الدنيا فكلامهم قد يكون واردا على نظر فيه، فإن العقوبات الإسلامية للردع، والإصلاح يكون من طريقه، إذ يكون فيه عبر لمن يكون على استعداد للارتكاب، وقد قال بعض القانونيين: إن العقوبة إذا كانت من جنس الجريمة كانت أردع للجاني؛ لأنه يتصور وهو يرتكبها أن سينزل به مثل الذي ينزله بالمجني عليه فيمتنع رهبة.
وإن ذكر العقوبات القاهرة فيه عبرة لمن يكونون على وشك الارتكاب في الدنيا، فمن يعرف أنه سيذل يوم القيامة لا يذل الناس، ومن يعلم أنه ينال عذاب الجحيم لا يكفر ولا يؤذي عبدا.
إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
[ ص: 4054 ] nindex.php?page=treesubj&link=28723_29677_33678_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=48يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=49وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=50سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=51لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=52هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ
كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ عَنْ أَنْ يُحْسَبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَارِكٌ الظَّالِمِينَ وَمَا يَفْعَلُونَهُ، غَيْرُ مُنَزَّلٍ بِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ عِقَابٍ، جَزَاءً وِفَاقًا لِمَا يَفْعَلُونَ، وَهُنَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَنْزِلٌ هَذَا الْعِقَابَ لِأَنَّهُ جَزَاؤُهُمْ، وَلِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ رُسُلَهُ بِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَخْلُفُ رُسُلَهُ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47رُسُلَهُ مَفْعُولٌ لِلْوَعْدِ، أَيْ لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ مَا وَعَدَ الرُّسُلَ، وَقَدَّمَ الْوَعْدَ عَلَى الرُّسُلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ إِخْلَافَ الْمِيعَادِ لَيْسَ أَمْرًا جَائِزًا بِالنِّسْبَةِ لِلَّهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَنْ وَعَدَهُ رَسُولًا أَمْ كَانَ غَيْرَ رَسُولٍ.
وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ رُسُلَهُ بِالْغَلَبِ، وَأَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ لِلْحَقِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْغَلَبَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47عَزِيزٌ مَعْنَاهُ غَالِبٌ قَوِيٌّ مُسَيْطِرٌ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=47ذُو انْتِقَامٍ أَيْ صَاحِبُ انْتِقَامٍ لِلْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلِلضُّعَفَاءِ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ، وَالِانْتِقَامُ مَعْنَاهُ مُجَازَاةُ الْمُسِيءِ بِمَا أَسَاءَ وَأَنْ يَقْتَصَّ بِالْحَقِّ مِنَ الْقَوِيِّ لِلضَّعِيفِ، وَأَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ عَلَى قَدْرِ الْجَرِيمَةِ، فَأَسَاسُ الْعِقَابِ فِي الشَّرِيعَةِ أَوْفَى، أَيْ يَكُونُ الْعِقَابُ عَلَى قَدْرِ الْجَرِيمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ جَزَاءً وِفَاقًا لَهَا.
[ ص: 4055 ] وَهُنَا يُسْأَلُ سَائِلٌ، لِمَاذَا عَبَّرَ سُبْحَانَهُ فِي الْجَزَاءِ بِالِانْتِقَامِ؟ لِأَنَّ الظَّالِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَرْهَقُوا الضُّعَفَاءَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْرِهِمْ عُسْرًا وَصَعَّبُوا الِاسْتِمْسَاكَ بِالْحَقِّ وَجَعَلُوهُ مُرًّا فَكَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْجَزَاءِ انْتِقَامًا مِنَ الظَّالِمِينَ لِتَقَرَّ أَعْيُنُ الضُّعَفَاءِ وَيَذُوقُوا حَلَاوَةَ الْحَقِّ بَعْدَ أَنْ ذَاقُوا مَرَارَتَهُ.
وَقَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ لَا يَعْرِفُ آدَابَ الْقُرْآنِ وَلَا حِكْمَةَ الدَّيَّانِ: كَيْفَ يُسَمَّى الْعِقَابُ انْتِقَامًا وَهُوَ لِإِصْلَاحِ النُّفُوسِ لَا لِلِانْتِقَامِ مِنْهَا، وَنَظَرِيَّةُ الِانْتِقَامِ يُبْطِلُهَا عِلْمُ الْقَانُونِ، وَنَقُولُ فِي الْإِجَابَةِ عَلَى ذَلِكَ: إِنَّ شَأْنَ الْآخِرَةِ هُوَ الْقِصَاصُ مِنْ جَرَائِمِ الدُّنْيَا، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَكَلَامُهُمْ قَدْ يَكُونُ وَارِدًا عَلَى نَظَرٍ فِيهِ، فَإِنَّ الْعُقُوبَاتِ الْإِسْلَامِيَّةَ لِلرَّدْعِ، وَالْإِصْلَاحُ يَكُونُ مِنْ طَرِيقِهِ، إِذْ يَكُونُ فِيهِ عِبَرٌ لِمَنْ يَكُونُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلِارْتِكَابِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَانُونِيِّينَ: إِنَّ الْعُقُوبَةَ إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْجَرِيمَةِ كَانَتْ أَرْدَعَ لِلْجَانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَصَوَّرُ وَهُوَ يَرْتَكِبُهَا أَنْ سَيَنْزِلُ بِهِ مِثْلُ الَّذِي يُنْزِلُهُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ رَهْبَةً.
وَإِنَّ ذِكْرَ الْعُقُوبَاتِ الْقَاهِرَةِ فِيهِ عِبْرَةٌ لِمَنْ يَكُونُونَ عَلَى وَشْكِ الِارْتِكَابِ فِي الدُّنْيَا، فَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ سَيُذَلُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُذِلُّ النَّاسَ، وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنَالُ عَذَابَ الْجَحِيمِ لَا يَكْفُرُ وَلَا يُؤْذِي عَبْدًا.