الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
6 - ذكر ما بدأ الله عز وجل من الآيات الواضحة الدالة على وحدانيته

قال الله ، عز وجل : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس )

وقال تعالى : ( خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون )

وقال تعالى : ( خلق الله السماوات والأرض بالحق )

وقال تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين )

وقال تعالى : ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) الآية .

1 - 19 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن معروف الصفار الأصبهاني [ ص: 105 ] قال : حدثنا الحسن بن علي بن بحر ، قال : حدثنا زكريا بن عدي ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي ، وقد وقع ذلك في صدري ، فقال ابن عباس : أتكذيب ؟ قال : لا ، ولكن اختلاف قال فهلم ما وقع في نفسك من ذلك ، فقال : أسمع الله ، عز وجل ، يقول : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) وقال في آية أخرى : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) وقال في آية أخرى : ( أم السماء بناها رفع سمكها فسواها ) الآية ، فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض [ ص: 106 ] وقال في آية أخرى : ( لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) إلى قوله : ( ثم استوى إلى السماء ) فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماء ، وقوله : ( ولا يكتمون الله حديثا ) ، وقوله : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ، فقد كتموا في هذه الآية ، وقوله : ( وكان الله عزيزا حكيما ) ، وقوله : ( وكان الله غفورا رحيما ) ، ( وكان الله سميعا بصيرا ) ، فكأنه كان ثم مضى ، فقال ابن عباس : هل وقع في نفسك من ذلك ؟ قال : إذا أنبأتني بهذا فحسبي . قال : أما قوله : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ، فهذا في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور ( فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ، فإذا كان في النفخة الأخرى قاموا ( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون )

وأما قوله : ( ولا يكتمون الله حديثا ) ، وقوله : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) . فإن الله تعالى يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم ، ولا يتعاظم ذلك عليه أن يغفره ، فلما رأى المشركون ذلك قالوا : إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك فتعالوا حتى نقول : إنما كنا أهل ذنوب ولم نكن أهل شرك ، فسألهم الله عز وجل : ( أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) قالوا : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) وإنما كنا أهل ذنوب ، فقال الله ، عز وجل : أما [ ص: 107 ] إذ كتمت الإنس فاختموا على أفواههم ، فختم الله ، عز وجل ، على أفواههم ؛ فنطقت أيديهم ، وشهدت أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فعند ذلك عرف المشركون أن الله ، عز وجل ، لا يكتم حديثا ، فذلك قوله تعالى : ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )

وأما قوله : ( السماء بناها رفع سمكها فسواها ) الآية . فإنه خلق الأرض في يومين ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم " نزل إلى الأرض " فدحاها ، ودحوها : أن أخرج منها الماء والمرعى ، وشق فيها الأنهار وجعل السبل ، وخلق الجبال والرمال ، والأكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله ، عز وجل : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) وقوله : ( لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ) إلى قوله : ( في أربعة أيام سواء للسائلين ) فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السماء في يومين .

وقوله ، عز وجل : ( وكان الله عزيزا حكيما ) ، ( وكان الله غفورا رحيما ) ، ( وكان الله سميعا بصيرا ) ، فإنه ، عز وجل ، نحل نفسه بذلك (أي وصف) ، ولم ينحله أحدا غيره ، وكان : أي لم يزل كذلك ، ثم قال ابن عباس للسائل : احفظ عني ما حدثتك ، واعلم أن ما اختلف من القرآن أشباه ما حدثتك ، وإن الله - عز وجل - لم ير(د شيئا) إلا وقد أصاب به الذي أراد ، ولكن الناس لا يعلمون فلا يختلف (عليك) القرآن ، فإن [ ص: 108 ] كلا من عند الله عز وجل .

رواه جماعة عن ( . . . ) ورواه مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، وحديث (زيد بن أبي أنيسة . . . ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية