الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  بيان جمل من محاسن أخلاقه صلوات الله عليه :

                                                                  كان - صلى الله عليه وسلم - أحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأعدل الناس ، وأعف الناس ، ولم تمس يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه ، وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه ، لا يأخذ مما آتاه إلا قوت عامه فقط ويضع سائر ذلك في سبيل الله ، لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه حتى أنه ربما احتاج قبل انقضاء العام فاستقرض . وكان يخصف النعل ويرقع الثوب ويخدم في مهنة أهله ، وكان أشد الناس حياء لا يثبت بصره في وجه أحد ، ويجيب دعوة الحر والعبد ، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها ويأكلها ، ولا يأكل الصدقة ، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين . يغضب لربه ولا يغضب لنفسه ، وقد وجد من أصحابه قتيلا بين اليهود فلم يجف عليهم ولا زاد على مر الحق بل وداه بمائة ناقة ، وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به ، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، يأكل ما حضر ، ولا يرد ما وجد ، إن وجد تمرا دون خبز أكله ، وإن وجد شواء أكله ، وإن وجد خبز بر أو شعير أكله ، وإن وجد حلواء أو عسلا أكله ، وإن وجد لبنا دون خبر اكتفى به ، وإن وجد بطيخا أو رطبا أكله ، لا يأكل متكئا ولا على خوان ، لم يشبع من خبز [ ص: 167 ] بر ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تعالى إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا . وكان - صلى الله عليه وسلم - أشد الناس تواضعا وأسكنهم في غير كبر ، وأبلغهم في غير تطويل ، وأحسنهم بشرا ، لا يهوله شيء من أمور الدنيا ، خاتمه من فضة يلبسه في خنصره الأيمن والأيسر ، يركب الحمار ويردف خلفه عبده أو غيره . يعود المرضى في أقصى المدينة . يحب الطيب ، ويجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ويكرم أهل الفضل ، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم ، يصل رحمه ولا يجفو على أحد . يقبل معذرة المعتذر إليه . يمزح ولا يقول إلا حقا ، ضحكه التبسم من غير قهقهة . يرى اللعب المباح فلا ينكره ، يسابق أهله ، وترفع الأصوات عليه من الجفاة فيصبر ، لم يرتفع على عبيده في مأكل ولا ملبس ، لا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد له منه من صلاح نفسه ، يخرج إلى بساتين أصحابه ، لا يحتقر مسكينا لفقره ، ولا يهاب ملكا لملكه ، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا . قد جمع الله تعالى له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب . نشأ في بلاد الجهل والصحاري في فقر وفي رعاية الغنم يتيما لا أب له ولا أم فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا . وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله ، آمين يا رب العالمين .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية