الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب التجارة في الحج قال الله عقيب ذكر الحج ، والتزود له : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم يعني المخاطبين بأول الآية وهم المأمورون بالتزود للحج وأباح لهم التجارة فيه وروى أبو يوسف عن العلاء بن السائب عن أبي أمامة قال : قلت لابن عمر : إني رجل أكري الإبل إلى مكة أفيجزي من حجتي ؟ قال : ألست تلبي فتقف وترمي الجمار ؟ قلت : بلى . قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل ما سألتني ، فلم يجبه حتى أنزل الله هذه الآية : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فقال صلى الله عليه وسلم : أنتم حاج . وقال عمرو بن دينار : قال ابن عباس : كانت ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية ، فلما كان الإسلام تركوا حتى نزلت : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج .

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتاني رجل فقال : إني آجرت نفسي من قوم على أن أخدمهم ويحجون بي ، فهل لي من حج ؟ فقال ابن عباس : هذا من الذين قال الله تعالى : لهم نصيب مما كسبوا وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين ، منهم الحسن وعطاء ومجاهد وقتادة ، ولا نعلم أحدا روي عنه خلاف ذلك إلا شيئا رواه سفيان الثوري عن عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال : سأله رجل أعرابي فقال : إني أكري إبلي وأنا أريد الحج ، أفيجزيني ؟ قال : لا ، ولا كرامة .

وهذا قول شاذ خلاف ما عليه الجمهور وخلاف ظاهر الكتاب في قوله : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فهذا في شأن الحاج ؛ لأن أول الخطاب فيهم ، وسائر ظواهر الآي المبيحة لذلك دالة على مثل ما دلت عليه هذه الآية نحو قوله : وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وقوله : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر إلى قوله : ليشهدوا منافع لهم ولم يخصص شيئا من المنافع دون غيرها ، فهو عام في جميعها من منافع الدنيا ، والآخرة وقال تعالى : وأحل الله البيع وحرم الربا ولم يخصص منه حال الحج .

وجميع ذلك يدل على أن الحج لا يمنع التجارة ، وعلى هذا أمر الناس من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في مواسم منى ومكة في أيام الحج ؛ والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية