الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر تقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحوال الناس في طلب العلم وتركه

176 - أنا محمد بن الحسين بن الأزرق المتوثي ، أنا أبو سهل : أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، نا أبو بكر : موسى بن إسحاق الأنصاري .

وأنا أبو القاسم : عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن الحسين الحربي ، وأبو نعيم الحافظ ، قالا : نا حبيب بن الحسن بن داود القزاز ، نا موسى بن إسحاق ، نا أبو نعيم : ضرار بن صرد ، نا عاصم بن حميد الحناط ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري ، عن كميل بن زياد النخعي ، قال : أخذ علي بن أبي طالب بيدي ، فأخرجني إلى ناحية الجبان ، فلما أصحر جلس ثم تنفس ، ثم قال : " يا كميل بن زياد ، احفظ ما أقول لك : القلوب أوعية خيرها أوعاها ، الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، العلم يزكوا على العمل ، والمال تنقصه النفقة ، العلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، وصنيعة المال تزول بزواله ، محبة العالم دين يدان بها ، تكسبه الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، العلماء باقون ، ما بقي [ ص: 183 ] الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها إن ها هنا - وأومأ بيده إلى صدره - علما ، لو أصبت له حملة ، بلى ! أصبه لقنا ، غير مأمون عليه ، يستعمل آلة الدين للدنيا ، يستظهر بنعم الله على عباده ، ويحججه على كتابه ، أو منقادا لأهل الحق ، لا بصيرة له في إحيائه ، يقتدح الشك في قلبه ، بأول عارض من شبهة ، لا ذا ، ولا ذاك ، أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوات ، أو فمغرى بجمع الأموال ، والادخار ، ليسا من دعاة الدين ، أقرب شبههما بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى ، لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، لكي لا تبطل حجج الله وبيناته ، أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا ، بهم يدفع الله عن حججه ، حتى يؤدوها إلى نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصاحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحمل الأعلى ، هاها شوقا إلى رؤيتهم ، وأستغفر الله لي ولك ، إذا شئت فقم " .

[ ص: 184 ] هذا الحديث من أحسن الأحاديث معنى ، وأشرفها لفظا ، وتقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الناس في أوله تقسيم في غاية الصحة ، ونهاية السداد ، لأن الإنسان لا يخلو من أحد الأقسام الثلاثة التي ذكرها ، مع كمال العقل وإزاحة العلل ، إما أن يكون عالما أو متعلما أو مغفلا للعلم وطلبه ، ليس بعالم ولا طالب له .

فالعالم الرباني : هو الذي لا زيادة على فضله لفاضل ، ولا منزلة فوق منزلته لمجتهد ، وقد دخل في الوصف له بأنه رباني ، وصفه بالصفات التي يقتضيها العلم لأهله ، ويمنع وصفه بما خالفها ، ومعنى الرباني في اللغة : الرفيع الدرجة في العلم ، العالي المنزلة فيه ، وعلى ذلك حملوا قول الله تعالى : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) ، وقوله تعالى : ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية