الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2643 [ ص: 284 ] باب منه

                                                                                                                              وذكره النووي في: (باب جواز وطء المسبية، بعد الاستبراء. وإن كان لها زوج انفسخ نكاحه بالسبي

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 34- 35 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس، فلقوا عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، بعث جيشا إلى أوطاس) ، موضع عند الطائف. يصرف ولا يصرف. قاله النووي .

                                                                                                                              وفي شرح المنتقى: هو واد في ديار هوازن. قال عياض : وهو موضع الحرب بحنين. وبه قال بعض أهل السير.

                                                                                                                              [ ص: 285 ] قال الحافظ: والراجح أن وادي أوطاس، غير وادي حنين. وهو ظاهر كلام ابن إسحاق في السيرة. انتهى.

                                                                                                                              (فلقوا عدوا لهم، فقاتلوهم، فظهروا عليهم، فأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن) أي: من وطئهن.

                                                                                                                              (من أجل أزواجهن من المشركين) : أي: من أجل أنهن زوجات.

                                                                                                                              والمزوجة: لا تحل لغير زوجها.

                                                                                                                              (فأنزل الله عز وجل في ذلك) أي: في إباحتهن: ({ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } أي: فهن لكم حلال، إذا انقضت عدتهن) .

                                                                                                                              المراد بالمحصنات هنا: المزوجات. أي: إنهن حرام على غير أزواجهن. إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر وتحل لكم، إذا انقضى استبراؤها.

                                                                                                                              والمراد بالعدة في الحديث: الاستبراء.

                                                                                                                              قال النووي : وهو بوضع الحمل عن الحامل، وبحيضة من الحائل، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. انتهى. [ ص: 286 ] قلت: وقد ذهب إلى ذلك الحنفية، والثوري، والنخعي، ومالك.

                                                                                                                              وذهب جماعة من أهل العلم، إلى أن الاستبراء، إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها. وأما من علمت براءة رحمها: فلا استبراء في حقها.

                                                                                                                              قال في السيل: المسبية قد صارت ملكا، للسابي لها من المسلمين.

                                                                                                                              ولم يبق لزوجها عليها يد. ولا لكونها كانت زوجة له تأثير

                                                                                                                              وهكذا الزوج إذا سبي صار عبدا، لا يجوز له أن يتزوج إلا بإذن سيده السابي له. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : اعلم أن مذهب الشافعي، ومن قال بقوله من العلماء: أن المسبية من عبدة الأوثان، وغيرهم من الكفار، الذين لا كتاب لهم: لا يحل وطؤها بملك اليمين، حتى تسلم. فما دامت على دينها، فهي محرمة. وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيأول هذا الحديث وشبهه: على أنهن أسلمن.

                                                                                                                              قال: وهذا التأويل لا بد منه. انتهى.

                                                                                                                              قال في شرح المنتقى: وظاهر هذا الحديث، وسائر أحاديث الباب:

                                                                                                                              أنه لا يشترط في جواز وطء المسبية الإسلام. ولو كان شرطا لبينه صلى [ ص: 287 ] الله عليه وآله وسلم. ولم يبينه. ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وذلك وقتها، ولاسيما وفي المسلمين (في يوم حنين وغيره) : من هو حديث عهد بالإسلام، يخفى عليهم مثل هذا الحكم. وتجويز حصول الإسلام من جميع السبايا، وهن في غاية الكثرة، بعيد جدا. فإن إسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة، من غير إكراه: لا يقول بأنه "يصح تجويزه" عاقل.

                                                                                                                              ومن أعظم المؤيدات لبقاء المسبيات على دينهن: ما ثبت من رده صلى الله عليه وآله وسلم لهن، بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن، وسألوه أن يرد إليهم: ما أخذ منهم من الغنيمة، فرد إليهم السبي فقط.

                                                                                                                              وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيات الكافرات، بعد الاستبراء المشروع، جماعة; منهم: طاوس. وهو الظاهر لما سلف. انتهى.

                                                                                                                              وهذا يرد على الشافعية مذهبهم المذكور. ولو لم يذهب إلى ذلك أحد، لكان الواجب على الأمة القول بموجب هذه الأحاديث. فإن السنة الصحيحة، لا تترك بعدم أخذ أحد بها. بل الذي يجب: العمل بها شاءوا أم أبوا. [ ص: 288 ] وظاهر عموم هذا الحديث وغيره: يشمل المشتراة ونحوها. وكونه في سبايا أوطاس: لا يوجب تقييده بذلك، لما تقرر من الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

                                                                                                                              وقد ورد ما يدل بعمومه على استبراء المشتراة ونحوها، فأخرج أحمد والطبراني، من حديث أبي هريرة، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقعن رجل على امرأة، وحملها لغيره") . ولكن إسناده ضعيف.

                                                                                                                              ويشهد له: حديث رويفع بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم; قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقي ماءه ولد غيره". رواه أحمد وأبو داود، والدارمي، والطبراني، والبيهقي، وغيرهم. وهذا يشمل الأمة المشتراة ونحوها. وتقييد ذلك في رواية أخرى: بالسبي والثيب، لا ينافي هذا العموم.

                                                                                                                              قال في السيل الجرار: والحاصل: أن مجرد قياس المشتراة ونحوها، على المسبية، على تقدير عدم شمول الدليل لها: واضح الوجه، للاشتراك في تلك العلة. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية