الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره 2291 - ( عن أبي هريرة قال : { استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سنا ، فأعطى سنا خيرا من سنه ، وقال : خياركم أحاسنكم قضاء } رواه أحمد والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            2992 - ( وعن أبي رافع قال : { استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكرا ، فجاءته إبل الصدقة [ ص: 273 ] فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت : إني لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا ، فقال : أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء } رواه الجماعة إلا البخاري ) .

                                                                                                                                            2293 - ( وعن أبي سعيد قال : { جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه ، فأرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها : إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك } ، مختصر لابن ماجه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة هو في الصحيحين بلفظ : { كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له ، فهم به أصحابه ، فقال : دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ، فقال لهم : اشتروا له سنا فأعطوه إياه ، فقالوا : إنا لا نجد إلا سنا هو خير من سنه ، قال : فاشتروه وأعطوه إياه ، فإن من خيركم ، أو أخيركم أحسنكم قضاء } وسيأتي ( وفي الباب ) عن العرباض بن سارية عند النسائي والبزار قال : { بعت النبي صلى الله عليه وسلم بكرا وأتيته أتقاضاه ، فقلت : اقض ثمن بكري ، فقال : لا أقضيك إلا نجيبة ، فدعاني فأحسن قضائي ، ثم جاء أعرابي فقال : اقض بكري ، فقضاه بعيرا } وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن أبي عبيدة عن أبيه وهما ثقتان ، وبقية إسناده ثقات

                                                                                                                                            قوله : ( أحاسنكم قضاء ) جمع أحسن ورواية الصحيحين : " أحسنكم " كما سلف وهو الفصيح ووقع في رواية لأبي داود " محاسنكم " بالميم كمطلع ومطالع قوله : ( بكرا ) بفتح الباء الموحدة : وهو الفتي من الإبل . قال الخطابي : هو في الإبل بمنزلة الغلام من الذكور ، والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث قوله : ( رباعيا ) بفتح الراء وتخفيف الموحدة : وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة ، وفي الحديثين دليل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض ، وسيأتي الكلام على ذلك قال الخطابي : وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها ، وذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له الصدقة فلا يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئا كان استسلفه لنفسه ، فدل على أنه استسلفه لأهل الصدقة من أرباب المال وهذا استدلال الشافعي وقد اختلف العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل وقتها ، فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وابن حنبل وابن راهويه

                                                                                                                                            وقال الشافعي : يجوز أن يعجل الصدقة سنة واحدة وقال الشافعي : لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان الثوري وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على الجواز وفي الحديثين أيضا جواز قرض الحيوان ، وهو مذهب الجمهور ، ومنع من ذلك الكوفيون والهادوية ، قالوا : ; لأنه [ ص: 274 ] نوع من البيع مخصوص وقد { نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان } كما سلف ، ويجاب بأن الأحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان كما سلف ويجاب بأن الأحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز ، وعلى تسليم أن المنع هو الراجح فحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض بن سارية مخصصة لعموم النهي ( وأما الاستدلال ) على المنع بأن الحيوان مما يعظم فيه التفاوت فممنوع وقد استثنى مالك والشافعي وجماعة من العلماء قرض الولائد ، فقالوا : لا يجوز ; لأنه يؤدي إلى عارية الفرج وأجاز ذلك مطلقا داود والطبري والمزني ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين ، وأجازه بعض المالكية بشرط أن يرد غير ما استقرضه ، وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن يحرم وطؤه على المستقرض

                                                                                                                                            وقد حكى إمام الحرمين عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض الولائد وقال ابن حزم : ما نعلم في هذا أصلا من كتاب ولا من رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا إجماع ولا قياس انتهى ، وحديث أبي سعيد المذكور فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين أن يقضيه بدين آخر ، ولا خلاف في جواز ذلك فيما أعلم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية