الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فلما وقع التفصيل في خلق السموات والأرض وما بينهما، وفي القيامة التي تستحيل فيها السموات والأرض وما بينهما، لم يكن العرش داخلا في ذلك، بل أخبر ببقائه بعد تغيير السموات [ ص: 471 ] والأرض، كما أخبر بكونه قبل السموات والأرض خبرا مطلقا، وأخبر في غير موضع أنه ربه وصاحبه، تمييزا له من السموات والأرض، كقوله: قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون [المؤمنون: 86-87] وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» وقال عن أهل سبأ: ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم [ ص: 472 ] [النمل: 25-26] وذكر نفسه بأنه ذو العرش في غير موضع، كقوله تعالى: وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد [البروج: 14-15] وقوله تعالى: قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [الإسراء: 42] وقوله: رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [غافر: 15] فهذا كله يبين أن العرش له شأن آخر.

كما أن الروح خصه من بين الملائكة في مثل قوله: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [المعارج: 4] وفي قوله: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبأ: 38] وفي قوله تعالى: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام [القدر: 4-5] مع العلم أن ذلك جميعه مخلوق لله مملوك له، وأنه رب ذلك كله، وهم عباده.

وليس فيما سكت عن الإخبار بتفصيله، ما ينافي ما علم مجملا، وما أخبر به مفصلا، كما ذكر البخاري، عن سليمان التيمي، أنه قال: «لو قيل لي: أين الله؟ لقلت: في السماء، فلو قيل لي: أين كان قبل أن يخلق السماء؟ لقلت: على عرشه على الماء، فلو قيل لي: أين كان قبل ذلك؟ لقلت: لا أدري. [ ص: 473 ] قال البخاري: وذلك لقوله تعالى: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [البقرة: 255] يعني بما بين».

التالي السابق


الخدمات العلمية