الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 247 ] فصل في زمانه الصحيح أنه لا يشترط في جواز الاجتهاد أن يكون المجتهد غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يكون في غير زمن النبوة ، وفيه مسألتان : إحداهما : في جواز الاجتهاد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام : أجمعوا على أنه كان يجوز لهم أن يجتهدوا فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحوها وقد فعلوا ذلك ، كما قال سليم ، وكذلك ابن حزم ومثله بإرادة النبي عليه السلام أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة ، فهذا مباح لأن لهم أن يهبوا من أموالهم ما أحبوا وكذلك قوله في تلقيح ثمار المدينة ، لأنه يباح للمرء أن يلقح نخلة وأن يتركها ، قال : وقد أخبرني بعضهم أنه ترك ثماره سنين دون تأبير فاستغنى عنه ، انتهى فأما اجتهادهم في أمر الشرع فاختلفوا أنه هل كان لهم أن يجتهدوا فيما لا نص فيه ؟ على مذاهب .

                                                      [ ص: 248 ] الأول - ليس لهم ذلك ، لقدرتهم على النص ، بنزول الوحي وقد قال تعالى : { إن هو إلا وحي يوحى } والضمير عائد على النطق وحكاه الأستاذ أبو منصور عن أصحاب الرأي وقال القاضي في التقريب " : كل من نفى القياس أحال تعبده صلى الله عليه وسلم به قلت : وهو ظاهر اختيار ابن حزم ، واحتج بأنه { صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل ينتظر الوحي ويقول : ما أنزل علي في هذا الشيء } ، ذكر ذلك في حديث زكاة الحمر ، وميراث البنين مع الزوج والعمة قال : ولنا أخذه عليه السلام الفداء ثم نزل عتابه عليه ، فلا ينكر أن يفعل عليه الصلاة والسلام ما لم يتقدم نهي ربه تعالى فيه ، إلا أنه لا يترك بل لا بد من تنبيهه عليه .

                                                      قلت : ثم قيل : هو ممتنع عقلا ، حكاه إمام الحرمين في التلخيص " وذهب أبو علي وابنه أبو هاشم إلى أنه لم يكن متعبدا به وتوقف فيه كثيرون ، منهم الرازي والمذهب الثاني ، وعليه الجمهور ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، كما قاله الماوردي وسليم - ومذهب أحمد ، وأكثر المالكية منهم القاضي عبد الوهاب والقاضيان أبو يوسف وعبد الجبار وأبو الحسين والقاضي في التقريب " : أنه يجوز لنبينا وغيره من الأنبياء عليهم السلام ذلك وأومأ إليه الشافعي في الرسالة " ، لأن الله تعالى خاطب نبيه كما خاطب عباده ، وضرب له الأمثال ، وأمره بالتدبر والاعتبار ، وهو أجل المتفكرين في آيات الله ، وأعظم المعتبرين بها وأما قوله تعالى : { إن هو إلا وحي يوحى } فالمراد به القرآن ، لأنهم قالوا : إنما يعلمه بشر . سلمنا أن [ ص: 249 ] الضمير للنطق ، ولا يلزم منه ما ذكرتم ، لأن الاجتهاد الشرعي مأذون فيه .

                                                      والدليل عليه في الآراء والحروب كثير ، كقتله النضر ونحوه في الأمور التي تحرى فيها واختار أحد الجائزين وأما الأحكام فلأنه أكمل من غيره ، لعصمته من الخطأ ، فإذا جاز لغيره الذي هو عرضة للخطأ فلأن يجوز للكامل أولى ، ولأن العمل بالاجتهاد أشق من العمل باليقين فيكون أكثر ثوابا والثالث - الوقف عن القطع بشيء من ذلك ، لجوازه كله وزعم الصيرفي في شرح الرسالة " أنه مذهب الشافعي ، لأنه حكى الأقوال ولم يختر شيئا ، فقال : ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس فيه نص كتاب ، اختلفوا فيه : فمنهم من قال : جعل الله له ذلك لعلمه بتوفيقه ومنهم من قال : لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب ومنهم من قال : بل جاءته رسالة الله فأثبت سنته بفرض الله ومنهم من قال : ألقي في روعه كل ما سن ، انتهى لكنه قال بعد هذا ، في باب الناسخ والمنسوخ : قال : قال بعض أهل العلم : وفي قوله تعالى : { ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } دلالة على أن الله جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتاب قال : قيل في قوله تعالى : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } : يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء قال الشافعي : وهذا يشبه ما قيل انتهى . وحكى الماوردي في المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا ، ( ثالثها ) ، واختاره في كتاب القضاء : التفصيل بين أن يكون ذلك الحكم مما يشارك فيه الأمة ، كتحريم الكلام في الصلاة ، والجمع بين الأختين ، فليس له أن يجتهد ، لأنه يؤدي إلى أمر الشخص لنفسه ، وبين أن لا يشاركهم فيه ، كمنع توريث القاتل وحد الشارب وقيل : يجوز لنبينا دون غيره .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية