الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا

                                                                                                                                                                                                الجملة بعد " إلا" صفة لموصوف محذوف . والمعنى : وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين . وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور . أعني من المرسلين ونحوه قوله عز من قائل : وما منا إلا له مقام معلوم [الصافات : 164 ] على معنى : وما منا أحد . وقرئ : "ويمشون " . على البناء للمفعول ، أي : تمشيهم حوائجهم أو الناس . ولو قرئ : "يمشون " ، لكان أوجه لولا الرواية . وقيل : هو احتجاج على من قال : مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . "فتنة" أي محنة وابتلاء . وهذا تصبير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما قالوه واستبدعوه ، من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل ، يقول : وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض . والمعنى : أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم ، وبمناصبتهم لهم العداوة ، وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف ، وأنواع أذاهم ، وطلب منهم الصبر الجميل ، ونحوه ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور [آل عمران : 186 ] ، وموقع "أتصبرون" بعد ذكر الفتنة موقع "أيكم" بعد الابتلاء في قوله : ليبلوكم أيكم أحسن عملا [هود : 7 ] . "أتصبرون" عالما بالصواب فيما يبتلي به وغيره فلا يضيقن صدرك ، ولا يستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين . وقيل : هو تسلية له عما عيروه به من الفقر ، حين قالوا : أو يلقى إليه كنز ، أو تكون له جنة ، وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء ؛ لينظر : هل يصبرون ؟ وأنها حكمته ومشيئته : يغني من يشاء ويفقر من يشاء . وقيل : جعلناك فتنة لهم ؛ لأنك لو كنت غنيا صاحب كنوز وجنان لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا ، أو ممزوجة بالدنيا ؛ فإنما بعثناك فقيرا ليكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي . وقيل . كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم [ ص: 341 ] يقولون : إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار وصهيب وبلال وفلان وفلان ترفعوا علينا إدلالا بالسابقة ، فهو افتتان بعضهم ببعض .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية