الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وبلغنا { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بنت ستة سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين ، وكانت عنده تسعا } ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم - رحمهم الله تعالى - أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا لقوله { حتى إذا بلغوا النكاح } فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة ، ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه حتى إن فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات ، ولا حاجة بهما إلى النكاح ; لأن مقصود النكاح طبعا هو قضاء الشهوة وشرعا النسل والصغر ينافيهما ، ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ ، وحجتنا قوله تعالى { واللائي لم يحضن } بين الله تعالى عدة الصغيرة ، وسبب العدة شرعا هو النكاح ، وذلك دليل تصور نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى { حتى إذا بلغوا النكاح } الاحتلام ، ثم حديث عائشة رضي الله عنها نص فيه ، وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير رضي الله عنه يوم ولدت ، وقال : إن مت فهي خير ورثتي ، وإن عشت فهي بنت الزبير ، وزوج ابن عمر رضي الله عنه بنتا له صغيرة من عروة بن الزبير رضي الله عنه وزوج عروة بن الزبير رضي الله عنه بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن فأجاز ذلك علي رضي الله عنه وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنه بنتا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله رضي الله عنه ، ولكن أبو بكر الأصم رحمه الله تعالى كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث والمعنى فيه أن النكاح من جملة المصالح وضعا في حق الذكور والإناث جميعا ، وهو يشتمل على أغراض ومقاصد لا يتوفر ذلك إلا بين الأكفاء .

والكفء لا يتفق في [ ص: 213 ] كل وقت فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها ، ولأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء ، ولا يوجد مثله ولما كان هذا العقد يعقد للعمر تتحقق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد فتجعل تلك الحاجة كالمتحققة للحال لإثبات الولاية للولي ، ثم في الحديث بيان أن الأب إذا زوج ابنته لا يثبت لها الخيار إذا بلغت { فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخيرها ، ولو كان الخيار ثابتا لهما لخيرها كما خير عند نزول آية التخيير حتى قال لعائشة : إني أعرض عليك أمرا فلا تحدثي فيه شيئا حتى تستشيري أبويك ، ثم تلا عليها قوله تعالى { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } ، فقالت أفي هذا أستشير أبوي أنا أختار الله تعالى ورسوله } ولما لم يخيرها هنا دل أنه لا خيار للصغيرة إذا بلغت ، وقد زوجها أبوها وذكر ذلك في الكتاب عن إبراهيم وشريح - رحمهما الله تعالى - وابن سماعة - رحمه الله تعالى - ذكر فيه قياسا واستحسانا ، قال : في القياس يثبت لها الخيار ; لأنه عقد عليها عقدا يلزمها تسليم النفس بحكم ذلك العقد بعد زوال ولاية الأب فيثبت لها الخيار كما لو زوجها أخوها ، ولكنا نقول تركنا القياس للحديث ، ولأن الأب وافر الشفعة ينظر لها فوق ما ينظر لنفسه ومع وفور الشفعة هو تام الولاية فإن ولايته تعم المال والنفس جميعا فلهذا لا يثبت لها الخيار في عقده ، وليس النكاح كالإجارة ; لأن إجارة النفس ليست من المصالح وضعا بل هو كد وتعب ، وإنما تثبت الولاية فيه على الصغير لحاجته إلى التأدب وتعلم الأعمال ، وذلك يزول بالبلوغ فلهذا أثبتنا لها الخيار ، قال : وفي الحديث دليل فضيلة عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين في بدء أمرها ، وقد أحرزت من الفضائل ما { قال - صلوات الله عليه - تأخذون ثلثي دينكم من عائشة } ، وفيه دليل أن الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها زفت إليه وهي بنت تسع سنين فكانت صغيرة في الظاهر وجاء في الحديث أنهم سمنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

التالي السابق


الخدمات العلمية