الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (62) قوله تعالى: ألسنتهم الكذب : العامة على أن "الكذب" مفعول به، و أن لهم الحسنى بدل منه بدل كل من كل، أو على إسقاط الخافض، أي: بأن لهم الحسنى. [ ص: 247 ] وقرأ الحسن: "ألسنتهم" بسكون التاء تخفيفا، وهي تشبه تسكين لام: "بلى ورسلنا لديهم يكتبون"، وهمزة "بارئكم" ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      والألسنة جمع "لسان" مرادا به التذكير فجمع كما يجمع فعال المذكر نحو: حمار وأحمرة، وإذا أريد به التأنيث جمع جمع أفعل كذراع وأذرع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ معاذ بن جبل: "الكذب" بضم الكاف والذال ورفع الباء، على أنه جمع كذوب كصبور وصبر، وهو مقيس، وقيل: جمع كاذب نحو: شارف وشرف، كقولها:


                                                                                                                                                                                                                                      3988 - ألا يا حمز للشرف النواء ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      لكنه غير مقيس، وهو حينئذ صفة ل "ألسنتهم"، وحينئذ يكون أن لهم الحسنى مفعولا به. وقد تقدم الكلام في: "لا جرم" مستوفى في هود.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأنهم مفرطون قرأ نافع بكسر الراء اسم فاعل من أفرط [ ص: 248 ] إذا تجاوز، فالمعنى: أنهم يتجاوزون الحد في معاصي الله تعالى. فأفعل هنا قاصر. والباقون بفتحها اسم مفعول من أفرطته، وفيه معنيان، أحدهما: أنه من أفرطته خلفي، أي: تركته ونسيته، حكى الفراء أن العرب تقول: أفرطت منهم ناسا، أي: خلفتهم، والمعنى: أنهم منسيون متروكون في النار. والثاني: أنه من أفرطته، أي: قدمته إلى كذا، وهو منقول بالهمزة من فرط إلى كذا، أي: تقدم إليه، كذا قال الشيخ، وأنشد للقطامي:


                                                                                                                                                                                                                                      2989 - واستعجلونا وكانوا من صحابتنا     كما تعجل فراط لوراد

                                                                                                                                                                                                                                      فجعل "فرط" قاصرا و "أفرط" منقولا. وقال الزمخشري : "بمعنى يتقدمون إلى النار، ويتعجلون إليها، من أفرطت فلانا وفرطته إذا قدمته إلى الماء"، فجعل فعل وأفعل بمعنى، لا أن أفعل منقول من فعل، والقولان محتملان، ومنه "الفرط"، أي: المتقدم. قال عليه السلام: "أنا فرطكم على الحوض"، أي: سابقكم. ومنه "واجعله فرطا وذخرا"، أي: متقدما بالشفاعة وتثقيل الموازين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو جعفر في رواية "مفرطون" بتشديد الراء مكسورة من [ ص: 249 ] فرط في كذا: أي: قصر، وفي رواية، مفتوحة، من فرطته معدى بالتضعيف من فرط بالتخفيف، أي: تقدم وسبق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عيسى بن عمر والحسن: "لا جرم إن لهم النار وإنهم" بكسر "إن" فيهما على أنها جواب قسم أغنت عنه "لا جرم".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية