الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2665 [ ص: 319 ] باب: من قدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله كي تمتشط الشعثة

                                                                                                                              وأورده النووي في: (باب استحباب نكاح البكر) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 54 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلما أقبلنا تعجلت على بعير لي قطوف، فلحقني راكب خلفي فنخس بعيري بعنزة كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل، فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما يعجلك يا جابر " قلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس، فقال: "أبكرا تزوجتها أم ثيبا؟" قال: قلت: بل ثيبا. قال: "هلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟" قال: فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل، فقال: "أمهلوا حتى ندخل ليلا" أي: عشاء "كي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة" قال: وقال "إذا قدمت فالكيس الكيس" ].

                                                                                                                              [ ص: 320 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 320 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما: (قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة، فلما أقبلنا) . قال النووي : هكذا هو في نسخ بلادنا: (أقبلنا) . وكذا نقله القاضي. قال: وفي رواية ابن ماهان: (أقفلنا) .

                                                                                                                              قال: ووجه الكلام: (قفلنا) أي: رجعنا. ويصح: (أقبلنا) بفتح اللام. أي: أقفلنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أو: (أقفلنا) بضم الهمزة. لما لم يسم فاعله.

                                                                                                                              (تعجلت على بعير لي قطوف) بفتح القاف. أي: بطيء المشي.

                                                                                                                              (فلحقني راكب خلفي، فنخس بعيري بعنزة) بفتح النون. وهي "عصا"، نحو نصف الرمح. في أسفلها زج

                                                                                                                              (كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل)

                                                                                                                              هذا فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأثر بركته.

                                                                                                                              [ ص: 321 ] (فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم. فقال: "ما يعجلك يا جابر؟" قلت: يا رسول الله ! إني حديث عهد بعرس. فقال: "أبكرا تزوجتها أم ثيبا؟". قال: قلت: بل ثيبا. قال: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟")

                                                                                                                              وفيه: فضيلة تزوج الأبكار. وشوابهن أفضل. وفيه: ملاعبة الرجل امرأته، وملاطفته لها، ومضاحكتها، وحسن العشرة.

                                                                                                                              وفيه: سؤال الإمام والكبير: أصحابه عن أمورهم، وتفقد أحوالهم، وإرشادهم إلى مصالحهم، وتنبيههم على وجه المصلحة فيها.

                                                                                                                              (قال: فلما قدمنا المدينة، ذهبنا لندخل. فقال: "أمهلوا حتى ندخل ليلا - أي: عشاء - كي تمتشط الشعثة") بفتح الشين وكسر العين. وهي التي لم تدهن شعرها وتمشطه. [ ص: 322 ] (وتستحد) بحاء مهملة.

                                                                                                                              والاسحداد: استعمال الحديدة، في شعر العانة. وهو: إزالته بالموسى. والمراد هنا: إزالته كيف كانت.

                                                                                                                              قال في النيل: المراد: إزالة الشعر عنها. وعبر عنها بالاستحداد: لأن الغالب استعماله في إزالة الشعر. وليس فيه منع من الإزالة بغير الموسى. انتهى.

                                                                                                                              (المغيبة) ، بضم الميم وكسر الغين وإسكان الياء: وهي التي غاب عنها زوجها.

                                                                                                                              وإن حضر زوجها، فهي: "مشهد" بلا هاء.

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث: استعمال مكارم الأخلاق، والشفقة على المسلمين. والاحتراز من تتبع العورات. واجتلاب ما يقتضي دوام الصحبة.

                                                                                                                              وليس في هذا الحديث: معارضة للأحاديث الصحيحة، في النهي عن الطروق ليلا. لأن ذلك فيمن جاء بغتة. وأما هنا، فقد تقدم خبر مجيئهم. وعلم الناس وصولهم. وأنهم سيدخلون عشاء. فتستعد لذلك المغيبة، والشعثة. وتصلح حالها، وتتأهب للقاء زوجها. والله أعلم. انتهى. [ ص: 323 ] قلت: وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه، عن ابن عمر، قال: (قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة، فقال: "لا تطرقوا النساء". وأرسل من يؤذن الناس: أنهم قادمون) .

                                                                                                                              وقد جمع أيضا: بأن المراد بالليل هنا: أوله. وبالنهي: الدخول في أثنائه. فيكون أول الليل إلى وقت العشاء، مخصصا من عموم ذلك النهي. والأول: أولى.

                                                                                                                              (قال: وقال: " فإذا قدمت، فالكيس ! الكيس !") . قال ابن الأعرابي: "الكيس": الجماع. والكيس: العقل. والمراد: حثه على ابتغاء الولد.

                                                                                                                              وهذا الحديث: ورد بطرق وألفاظ، ذكرها النووي "رحمه الله تعالى"، في الجزء الرابع من شرحه. في (باب كراهة الطروق) . وهو الدخول ليلا لمن ورد من سفر.




                                                                                                                              الخدمات العلمية