الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2682 [ ص: 332 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 66 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن سيرين قال مكثت عشرين سنة يحدثني من لا أتهم: أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثا، وهي حائض، فأمر أن يراجعها، فجعلت لا أتهمهم ولا أعرف الحديث، حتى لقيت أبا غلاب يونس بن جبير الباهلي ، وكان ذا ثبت، فحدثني: أنه سأل ابن عمر فحدثه أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض فأمر أن يرجعها.

                                                                                                                              قال: قلت: أفحسبت عليه؟ قال: فمه، أو إن عجز واستحمق؟].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن سيرين، قال: مكثت عشرين سنة، يحدثني من لا أتهم: أن ابن عمر) ، رضي الله عنهما، (طلق امرأته ثلاثا وهي حائض، فأمر أن يراجعها. فجعلت لا أتهمهم، ولا أعرف الحديث، حتى لقيت أبا غلاب) . بفتح الغين وتشديد اللام، وآخره باء.

                                                                                                                              [ ص: 333 ] قال النووي : هكذا ضبطناه. وكذا ذكره ابن ماكولا، والجمهور.

                                                                                                                              وذكر عياض عن بعض الرواة: تخفيف اللام.

                                                                                                                              (يونس بن جبير الباهلي، وكان ذا ثبت) بفتح الثاء والباء.

                                                                                                                              أي: متثبتا

                                                                                                                              (فحدثني أنه سأل ابن عمر، فحدثه: أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض، فأمر: أن يراجعها. قال: قلت: أفحسبت عليه؟ قال: فمه. أو إن عجز واستحمق؟)

                                                                                                                              معناه: أفيرتفع عنه الطلاق، وإن عجز واستحمق؟ وهو استفهام إنكار

                                                                                                                              وتقديره: نعم: تحسب. ولا يمتنع احتسابها لعجزه وحماقته.

                                                                                                                              قال عياض : أي: إن عجز عن الرجعة، وفعل فعل الأحمق. والقائل لهذا الكلام، هو ابن عمر صاحب القصة.

                                                                                                                              وأعاد الضمير بلفظ الغيبة. وقد بينه بعد هذه، في رواية أنس بن سيرين; (قال: قلت) يعني لابن عمر: (فاعتددت بتلك التطليقة [ ص: 334 ] التي طلقت "وهي حائض"؟ قال: ما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت؟) . وجاء في غير مسلم: (أن ابن عمر قال: أرأيت إن كان ابن عمر عجز واستحمق، فما يمنعه: أن يكون طلاقا؟) .

                                                                                                                              وأما قوله: "فمه"، فيحتمل: أن يكون للكف والزجر عن هذا القول.

                                                                                                                              أي: لا تشك في وقوع الطلاق، واجزم بوقوعه.

                                                                                                                              وقال عياض : المراد "بمه": "ما"، فيكون استفهاما. أي: فما يكون إن لم أحتسب بها؟.

                                                                                                                              ومعناه: لا يكون إلا الاحتساب بها. فأبدل من الألف هاء كما قالوا في " مهما": إن أصلها: "ماما". أي: أي شيء. انتهى.

                                                                                                                              أقول: قد تمسك بذلك، من قال: بأن الطلاق البدعي يقع. وهم الجمهور.

                                                                                                                              وذهب الباقر، والصادق، وابن حزم. وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض: إلى أنه لا يقع. وحكاه ابن العربي وغيره، عن ابن علية وهو من فقهاء المعتزلة.

                                                                                                                              قال ابن عبد البر: لا يخالف في ذلك، إلا أهل البدع والضلال.

                                                                                                                              [ ص: 335 ] وروي مثله عن بعض التابعين، وهو شذوذ. وقد أجاب "ابن حزم" عن قول ابن عمر المذكور: بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى.

                                                                                                                              ويدل له: حديث "ابن عمر" بلفظ: (فردها علي رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ولم يرها شيئا) أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي. قال الحافظ: وإسناد هذه الزيادة، على شرط الصحيح.

                                                                                                                              وقد صرح ابن القيم وغيره: بأن هذا الحديث صحيح. ورجال إسناده ثقات، أئمة، حفاظ. وقد رجح ما ذهب إليه: من قال بعدم الوقوع، بمرجحات ذكرها في النيل.

                                                                                                                              قال: وممن ذهب إلى هذا المذهب "أعني: عدم وقوع البدعي": [ ص: 336 ] شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم "وأطال الكلام عليها في الهدي"، والحافظ محمد بن إبراهيم الوزير "وألف فيها رسالة طويلة، في مقدار كراستين، في القطع الكامل" .

                                                                                                                              قال الشوكاني "رحمه الله": وقد جمعت فيها رسالة مختصرة، مشتملة على الفوائد المذكورة في غيرها. انتهى.

                                                                                                                              وقال في السيل: الذي دل على هذا الطلاق المسمى بطلاق البدعة، هو حديث ابن عمر. ثم ذكر أحاديث تدل على حسبان التطليقة، ثم قال: فهذه الروايات تدل على وقوع البدعي، ثم ذكر أدلة القائلين به، والمانعين منه.

                                                                                                                              ثم قال: وبهذا تعرف أن القول بوقوع البدعي أرجح. قال: وقد حررت هذا البحث، في رسالة مستقلة. انتهى.

                                                                                                                              وقال في وبل الغمام: من زعم: أن هذه البدعة يلزم حكمها، وأن هذا الأمر الذي ليس من أمره صلى الله عليه وآله وسلم يقع من فاعله ويعتد به: لم يقبل منه ذلك إلا بدليل. انتهى.

                                                                                                                              وهذا صريح في عدم وقوعه. [ ص: 337 ] وقال في الدرر: وفي وقوعه "أي: الطلاق البدعي": وقوع ما فوق الواحدة، من دون تخلل رجعة: خلاف.

                                                                                                                              والراجح: عدم الوقوع. انتهى.

                                                                                                                              وبهذا يظهر لك: أن الشوكاني رحمه الله، ذهب في النيل، والسيل: إلى وقوعه. وفي المختصر: إلى عدم وقوعه. وكذا في الوبل.

                                                                                                                              ولا شك: أن المسألة من المعارك، التي لا يجول في حافاتها، إلا الأبطال. ولا يقف على تحقيق الحق في أبوابها، إلا أفراد الرجال. والمقام يضيق عن تحريرها، على وجه ينتج المطلوب.

                                                                                                                              وأما السيد العلامة " محمد بن إسماعيل الأمير"، فقال في سبل السلام:

                                                                                                                              قد أطال ابن القيم "في الهدي" الكلام على نصرة عدم الوقوع. ولكن بعد ثبوت: أنه صلى الله عليه وآله وسلم حسبها تطليقة، تطيح كل عبارة، ويضيع كل صنيع. وقد كنا نفتي بعدم الوقوع. وكتبنا فيه رسالة. وتوقفنا مدة، ثم رأينا وقوعه. انتهى ثم زاد "في شرح بلوغ المرام"، بعدما ذكرنا ما وجدناه بخط السيد عبد الله "ابنه رحمه الله" ما لفظه:

                                                                                                                              "تنبيه": ثم إنه قوي عندي ما كنت أفتي به أولا، من عدم الوقوع.

                                                                                                                              [ ص: 338 ] لأدلة قوية، قد سقتها في الرسالة التي سميناها: "الدليل الشرعي في عدم وقوع الطلاق البدعي" .

                                                                                                                              قال: وقد ساق السيد محمد "يعني: الحافظ ابن الوزير رحمه الله": ست عشرة حجة، على عدم وقوع الطلاق البدعي. ولخصناها في رسالتنا المذكورة.

                                                                                                                              وبعد هذا; تعرف رجوعنا عما هنا. فليلحق هذا في نسخ "سبل السلام". انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية