الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 278 ] القول في تأويل قوله ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه )

قال أبو جعفر : وهذه " اللام " التي في قوله : " ليجمعنكم " لام قسم .

ثم اختلف أهل العربية في جالبها ، فكان بعض نحويي الكوفة يقول : إن شئت جعلت " الرحمة " غاية كلام ، ثم استأنفت بعدها : " ليجمعنكم " . قال : وإن شئت جعلته في موضع نصب يعني : كتب ليجمعنكم كما قال : كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة [ سورة الأنعام : 54 ] ، يريد : كتب أنه من عمل منكم قال : والعرب تقول في الحروف التي يصلح معها جواب كلام الأيمان ب " أن " المفتوحة وب " اللام " فيقولون : " أرسلت إليه أن يقوم " " وأرسلت إليه ليقومن " . قال : وكذلك قوله : ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ، [ سورة يوسف : 35 ] . قال : وهو في القرآن كثير . ألا ترى أنك لو قلت : " بدا لهم أن يسجنوه " لكان صوابا؟ [ ص: 279 ] وكان بعض نحويي البصرة يقول : نصبت " لام " " ليجمعنكم " لأن معنى : " كتب " [ : فرض ، وأوجب ، وهو بمعنى القسم ] ، كأنه قال : والله ليجمعنكم .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أن يكون قوله : " كتب على نفسه الرحمة " غاية ، وأن يكون قوله : " ليجمعنكم " خبر مبتدأ ويكون معنى الكلام حينئذ : ليجمعنكم الله ، أيها العادلون بالله ، ليوم القيامة الذي لا ريب فيه ، لينتقم منكم بكفركم به .

وإنما قلت : هذا القول أولى بالصواب من إعمال " كتب " في " ليجمعنكم " لأن قوله : " كتب " قد عمل في الرحمة ، فغير جائز ، وقد عمل في " الرحمة " أن يعمل في " ليجمعنكم " لأنه لا يتعدى إلى اثنين .

فإن قال قائل : فما أنت قائل في قراءة من قرأ : كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه . [ سورة الأنعام : 54 ] بفتح " أن " ؟

قيل : إن ذلك إذا قرئ كذلك ، فإن " أن " بيان عن " الرحمة " وترجمة عنها . لأن معنى الكلام : كتب على نفسه الرحمة أن يرحم من تاب من عباده بعد اقتراف السوء بجهالة ويعفو ، و " الرحمة " يترجم عنها ويبين معناها بصفتها . وليس من صفة الرحمة " ليجمعنكم إلى يوم القيامة " فيكون مبينا به عنها . فإذ كان ذلك كذلك ، فلم يبق إلا أن تنصب بنية تكرير " كتب " مرة أخرى معه ، ولا ضرورة بالكلام إلى ذلك ، فيوجه إلى ما ليس بموجود في ظاهره . [ ص: 280 ]

وأما تأويل قوله : " لا ريب فيه " فإنه لا شك فيه ، يقول : في أن الله يجمعكم إلى يوم القيامة ، فيحشركم إليه جميعا ، ثم يؤتي كل عامل منكم أجر ما عمل من حسن أو سيئ .

التالي السابق


الخدمات العلمية