الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار

                                                                                                                                                                                                                                      والذين صبروا على كل ما تكرهه النفس من الأفعال والتروك ابتغاء وجه ربهم طلبا لرضاه خاصة من غير أن ينظر إلى جانب الخلق رياء، وسمعة. ولا إلى جانب النفس زينة، وعجبا. وحيث كان الصبر على الوجه المذكور، ملاك الأمر في كل ما ذكر من الصلات السابقة، واللاحقة. أورد على صيغة الماضي اعتناء بشأنه، ودلالة على وجوب تحققه. فإن ذلك مما لا بد منه إما في نفس الصلات كما فيما عدا الأولى والرابعة والخامسة، أو في إظهار أحكامها كما في الصلات الثلاث المذكورات، فإنها وإن استغنت عن الصبر في أنفسها، حيث لا مشقة على النفس في الاعتراف بالربوبية، والخشية، والخوف، لكن إظهار أحكامها، والجري على موجبها غير خال عن الاحتياج إليه وأقاموا الصلاة المفروضة وأنفقوا مما رزقناهم أي: بعضه الذي يجب عليهم إنفاقه سرا لمن لم يعرف بالمال أو لمن لا يتهم بترك الزكاة، أو عند إنفاقه، وإعطائه ، من تمنعه المروءة من أخذه ظاهرا وعلانية لمن لم يكن كما ذكر، أو الأول في التطوع، والثاني في الفرض. ويدرءون بالحسنة أي: يجازون الإساءة بالإحسان، أو يتبعون الحسنة السيئة فنمحوها. عن ابن عباس رضي الله عنهما: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيئ غيرهم. وعن الحسن : إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا. وعن ابن كيسان : إذا أذنبوا تابوا. وقيل: إذا رأوا منكرا أمروا بتغييره. وتقديم المجرور على المنصوب لإظهار كمال العناية بالحسنة. أولئك المنعوتون بالنعوت الجليلة، والملكات الجميلة، وهو مبتدأ خبره الجملة الظرفية، أعني: قوله تعالى: لهم عقبى الدار أي: عاقبة الدنيا، وما ينبغي أن يكون مآل أمر أهلها، وهي الجنة. وقيل: الجار والمجرور خبر لأولئك. وعقبى الدار فاعل الاستقرار. وأيا ما كان فليس فيه قصر، حتى يرد أن بعض ما في الصلة ليس من العزائم; التي يخل إخلالها بالموصول إلى حسن العاقبة. والجملة خبر للموصولات المتعاطفة، أو استئناف لبيان ما استوجبوه بتلك الصفات، أن جعلت الموصولات المتعاطفة صفات لأولي الألباب، على طريقة المدح من غير أن يقصد أن يكون للصلات المذكورة مدخل في التذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية