الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة

                                                                                                                                                                                              كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة روي عن علي – رضي الله عنه - قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماما [ ص: 29 ] منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: إنما يتقبل الله من المتقين . وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها; لأن الله يقول: إنما يتقبل الله من المتقين

                                                                                                                                                                                              وقال ابن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل .

                                                                                                                                                                                              وقال عطاء السليمي: الحذر: الاتقاء على العمل أن لا يكون لله .

                                                                                                                                                                                              وقال عبد العزيز بن أبي رواد : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم، أيقبل منهم أم لا؟

                                                                                                                                                                                              قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان . ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم .

                                                                                                                                                                                              خرج عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - في يوم عيد فطر، فقال في خطبته: أيها الناس; إنكم صمتم لله ثلاثين يوما، وقمتم ثلاثين ليلة . وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم .

                                                                                                                                                                                              كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملا، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟

                                                                                                                                                                                              رأى وهيب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين .

                                                                                                                                                                                              وعن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا . فالعجب من [ ص: 30 ] اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون .


                                                                                                                                                                                              لعلك غضبان وقلبي غافل سلام على الدارين إن كنت راضيا



                                                                                                                                                                                              روي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري! من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟

                                                                                                                                                                                              وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟ أيها المقبول هنيئا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك .


                                                                                                                                                                                              ليت شعري من فيه يقبل منا .     فيهنأ يا خيبة المردود
                                                                                                                                                                                              من تولى عنه بغير قبول .     أرغم الله أنفه بخزي شديد



                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية