الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2693 [ ص: 353 ] باب في الحرام. وقوله عز وجل : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } والاختلاف فيه.

                                                                                                                              وقال النووي : (باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته، ولم ينو الطلاق)

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 73 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن يحيى بن أبي كثير: أن يعلى بن حكيم أخبره: أن سعيد بن جبير أخبره: أنه سمع ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها. وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) صلى الله عليه وآله وسلم]. وهذا الحديث متفق عليه.

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيمن حرم على نفسه شيئا، فإن كان الزوجة، فقد اختلف فيه على أقوال بلغها القرطبي إلى ثمانية عشر قولا. وزاد غيره عليها.

                                                                                                                              [ ص: 354 ] وفي مذهب مالك، فيها تفاصيل يطول استيفاؤها. حكى عياض أربعة عشر مذهبا. ذكره النووي في شرحه.

                                                                                                                              [ ص: 355 ] قال القرطبي: قال بعض العلماء: سبب الاختلاف، أنه لم يقع في القرآن صريحا، ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه، في حكم هذه المسألة، فتجاذبها العلماء.

                                                                                                                              فمن تمسك بالبراءة قال: لا يلزمه شيء.

                                                                                                                              ومن قال: إنها يمين: أخذ بظاهر قوله تعالى: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } ، بعد قوله: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } .

                                                                                                                              ومن قال: تجب الكفارة وليست بيمين: بناه على أن معناه: معنى اليمين، فوقعت الكفارة على المعنى.

                                                                                                                              ومن قال: يقع به طلقة رجعية: حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة.

                                                                                                                              وأقل ما تحرم به المرأة: طلقة. ما لم يرتجعها.

                                                                                                                              ومن قال: بائنة: فلاستمرار التحريم بها، ما لم يجدد العقد.

                                                                                                                              ومن قال: ثلاثا: حمل اللفظ على منتهى وجوهه. [ ص: 356 ] ومن قال ظهار: نظر إلى معنى التحريم، وقطع النظر عن الطلاق، فانحصر الأمر عنده في الظهار. انتهى.

                                                                                                                              قال في شرح المنتقى ومن المطولين للبحث في هذه المسألة: "الحافظ ابن القيم"، فإنه تكلم عليها في "الهدي"، كلاما طويلا. وذكر ثلاثة عشر مذهبا أصولا، تفرعت إلى عشرين مذهبا.

                                                                                                                              وذكر في كتابه المعروف " بإعلام الموقعين ": خمسة عشر مذهبا. انتهى.

                                                                                                                              ثم ذكر ذلك على طريق الاختصار. وزاد عليه شيئا. فإن شئت الاطلاع فراجعه; منها: أن فيه كفارة ظهار. قالابن القيم: وهذا أقيس الأقوال.

                                                                                                                              ثم رجح الشوكاني "رحمه الله" المذهب الأول. وهو أن قول القائل لامرأته: "أنت علي حرام"; لغو باطل، لا يترتب عليه شيء، وهو رواية عن ابن عباس. وبه قال مسروق، وأبو سلمة، وعطاء، والشعبي، وداود، وجميع أهل الظاهر، وأكثر أصحاب الحديث.

                                                                                                                              وهو أحد قولي المالكية. واختاره أصبغ بن الفرج منهم. واستدلوا بقوله تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } . وبقوله: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } .

                                                                                                                              [ ص: 357 ] وبسبب نزول هذه الآية. وبالحديث الصحيح: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد"

                                                                                                                              قال: وقد رجح هذا المذهب: جماعة من العلماء المتأخرين. قال: وهذا المذهب هو الراجح عندي، إذا أراد تحريم العين. وأما إذا أراد به الطلاق، فليس في الآية ما يدل على امتناع وقوعه به.

                                                                                                                              وأما الآيتان فنحن نقول بموجبهما; فمن أراد تحريم زوجته، لم تحرم. ومن أراد طلاقها بذلك اللفظ، فليس في الآية ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظ مخصوصة، وعدم جوازه مما سواها.

                                                                                                                              وليس في قوله تعالى: { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } ما يقضي بانحصار الفرقة في لفظ الطلاق.

                                                                                                                              وقد ورد الإذن بما عداه من ألفاظ الفرقة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لابنة الجون: "الحقي بأهلك".

                                                                                                                              قال ابن القيم: وقد أوقع الصحابة الطلاق: "بأنت حرام. وأمرك بيدك. واختاري. ووهبتك لأهلك. وأنت خلية. وقد خلوت مني. وأنت برية. وقد أبرأتك. وأنت مبرأة. وحبلك على غاربك ". انتهى.

                                                                                                                              وأيضا قال تعالى: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .

                                                                                                                              [ ص: 358 ] وظاهره: أنه لو قال: "سرحتك"، لكفى في إفادة معنى الطلاق.

                                                                                                                              وقد ذهب جمهور أهل العلم: إلى جواز التجوز، لعلاقة مع قرينة، في جميع الألفاظ إلا ما خص. فما الدليل على امتناعه في باب الطلاق؟

                                                                                                                              انتهى كلام النيل.

                                                                                                                              قال النووي : والجمهور على أنه إن قال: هذا الطعام حرام علي. أو هذا الماء. أو هذا الثوب. أو دخول البيت. أو كلام زيد. وسائر ما يحرمه غير الزوجة والأمة: يكون هذا لغوا لا شيء فيه. ولا يحرم عليه ذلك الشيء. فإذا تناوله فلا شيء عليه. وأم الولد كالأمة. انتهى.

                                                                                                                              قال في النيل: ظاهر الأدلة: أنه لا يحرم عليه شيء من ذلك: لأن الله لم يجعل إليه تحريما ولا تحليلا. فيكون التحريم الواقع منه لغوا. وقد ذهب إلى مثل هذا الشافعي.

                                                                                                                              وروي عن أحمد: أن عليه كفارة يمين. انتهى. قلت: والصواب الأول.




                                                                                                                              الخدمات العلمية