الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا . فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما . وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا .

                                                                                                                                                                                                                                      إن قيل : إنما عاينوا الآيات بعد [وجود] الرسالة ، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أنهم كانوا مكذبين أنبياء الله وكتبه المتقدمة ، ومن كذب نبيا فقد كذب سائر الأنبياء ولهذا قال : وقوم نوح لما كذبوا الرسل ، وقال الزجاج : يجوز أن يكون المراد به نوح وحده ، وقد ذكر بلفظ الجنس ، كما يقال : فلان يركب الدواب ، وإن لم يركب إلا دابة واحدة ; وقد شرحنا هذا في (هود : 59) عند قوله : وعصوا رسله . وقد سبق معنى التدمير [الأعراف : 137] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأصحاب الرس في الرس ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنها بئر كانت تسمى الرس ، قاله ابن عباس في رواية العوفي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 90 ] وقال في رواية عكرمة : هي بئر بأذربيجان . وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة . وقال السدي : بئر بأنطاكية .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن الرس قرية من قرى اليمامة ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنها المعدن ، قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي تسميتها بالرس قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنهم رسوا نبيهم في البئر ، قاله عكرمة . قال الزجاج : رسوه ، أي : دسوه فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن كل ركية لم تطو فهي رس ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في أصحاب الرس على خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة ، فبعث الله تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب ، فحفروا له بئرا وألقوه فيها ، فهلكوا ، قاله علي عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنهم قوم كان لهم نبي يقال له : حنظلة بن صفوان ، فقتلوا نبيهم فأهلكهم الله ، قاله سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها ، وكانت لهم مواش ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله إليهم شعيبا ، فتمادوا في طغيانهم ، فانهارت البئر ، فخسف بهم وبمنازلهم ، قاله وهب بن منبه .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أنهم الذين قتلوا حبيبا النجار ، قتلوه في بئر لهم ، وهو الذي قال : يا قوم اتبعوا المرسلين [يس:20] ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : أنهم قوم قتلوا نبيهم وأكلوه وأول من عمل السحر نساؤهم ، قاله ابن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 91 ] قوله تعالى: وقرونا المعنى : وأهلكنا قرونا بين ذلك كثيرا أي : بين عاد وأصحاب الرس . وقد سبق بيان القرن [الأنعام : 6] . وفي هذه القصص تهديد لقريش .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وكلا ضربنا له الأمثال أي : أعذرنا إليه بالموعظة وإقامة الحجة وكلا تبرنا قال الزجاج : التتبير : التدمير ، وكل شيء كسرته وفتتته فقد تبرته ، وكسارته : التبر ، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج : التبر ، وكذلك تبر الذهب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية