الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر حالها، ذكر ثمرتها فقال: تؤتي أكلها أي ثمرتها بحسن أرضها ودوام ريها كل حين على أحسن ما يكون من الإيتاء، لأن علوها منعها من عفونات [الأرض] وقاذورات الأبنية، [ ص: 412 ] فكانت ثمرتها نقية من شوائب الأدناس.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الشيء لا يكمل إلا بكمال مربيه قال: بإذن ربها فهي بحيث لا يستجيز عاقل أن يتسبب في إفسادها، ومن سعى في ذلك منعه أهل العقول ولو وصلوا إلى بذل النفوس; روى البخاري في التفسير وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا ، تؤتي أكلها كل حين، قال ابن عمر رضي الله عنهما: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هي النخلة، فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتاه! والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال: ما منعك أن تكلم؟ قال: لم أركم تكلمون فكرهت [أن] أتكلم، قال عمر : لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا " .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم نبه سبحانه على عظم هذا المثل ليقبل على تدبره ليعلم المراد [ ص: 413 ] منه فيلزم، فقال: ويضرب الله أي الذي له الإحاطة الكاملة الأمثال للناس أي الذين يحتاجون إلى ذلك لاضطراب آرائهم، لأن في ضربها زيادة إفهام وتصوير للمعاني، لأن المعاني الصرفة إذا ذكر مناسبها من المحسوسات ارتسمت في الحس والخيال والوهم، وتصورت فتركت هذه [القوى] المنازعة فيها، فيحصل الفهم التام والوصول إلى المطلوب لعلهم يتذكرون أي ليكون حالهم حال من يرجى له غاية التذكر - بما أشار إليه الإظهار، فهذا مثل كلام الأولياء، فكلمتهم الطيبة كلمة التوحيد التي لا أطيب منها، وهي أصل كل سعادة راسخة في قلوبهم، معرقة في كل عرق منهم أوجب إعراقها أن بسقت فروعها التي هي الأعمال الدينية من أعمال القلوب والجوارح، فصارت كلما [هزت] اجتنى الهاز ثمراتها التي لا نهاية لها، عالما بأنها من فتح مولاه لا صنع له فيها بوجه، بل له سبحانه المن عليه في جميع ذلك وكما أن الشجر لا تتم إلا [بعرق راسخ وأصل قائم وفروع عالية، فكذلك الإيمان لا يتم إلا] بمعرفة القلب وقول اللسان وعمل الأركان،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية