الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا [ ص: 93 ] وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ألم تر إلى ربك أي : إلى فعل ربك . وقال الزجاج : معناه : ألم تعلم ، فهو من رؤية القلب ، ويجوز أن يكون من رؤية العين ; فالمعنى : ألم تر إلى الظل كيف مده ربك؟ والظل من وقت طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس ولو شاء لجعله ساكنا أي : ثابتا دائما لا يزول ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالشمس دليل على الظل ، فلولا الشمس ما عرف أنه شيء ، كما أنه لولا النور ما عرفت الظلمة ، فكل الأشياء تعرف بأضدادها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ثم قبضناه إلينا يعني : الظل قبضا يسيرا وفيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : سريعا ، قاله ابن عباس . والثاني : خفيا ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي وقت قبض الظل قولان . أحدهما : عند طلوع الشمس يقبض الظل وتجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخه شيئا فشيئا والثاني : عند غروب الشمس تقبض أجزاء الظل بعد غروبها ، ويخلف كل جزء منه جزءا من الظلام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم الليل لباسا أي : ساترا بظلمته ، لأن ظلمته تغشى الأشخاص وتشتمل عليها اشتمال اللباس على لابسه والنوم [ ص: 94 ] سباتا قال ابن قتيبة : أي : راحة ، ومنه يوم السبت ، لأن الخلق اجتمع يوم الجمعة ، وكان الفراغ منه في يوم السبت ، فقيل لبني إسرائيل : استريحوا في هذا اليوم ولا تعملوا فيه شيئا ، فسمي يوم السبت ، أي : يوم الراحة ، وأصل السبت : التمدد ، ومن تمدد استراح . وقال ابن الأنباري : أصل السبت : القطع ; فالمعنى : وجعلنا النوم قطعا لأعمالكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وجعل النهار نشورا فيه قولان . أحدهما : تنتشرون فيه لابتغاء الرزق ، قاله ابن عباس . والثاني : تنشر الروح باليقظة كما تنشر بالبعث ، حكاه الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وهو الذي أرسل الرياح قد شرحناه في (الأعراف : 75) إلى قوله : وأنزلنا من السماء ماء طهورا يعني : المطر . قال الأزهري : الطهور في اللغة : الطاهر المطهر . والطهور ما يتطهر به ، كالوضوء الذي يتوضأ به ، والفطور الذي يفطر عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لنحيي به بلدة ميتا وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وأبو جعفر : " ميتا " بالتشديد . قال الزجاج : لفظ البلدة مؤنث ، وإنما قيل : " ميتا " لأن معنى البلدة والبلد سواء . وقال غيره : إنما قال : " ميتا " ، لأنه أراد بالبلدة المكان . وقد سبق معنى صفة البلدة بالموت [الأعراف : 57] ومعنى : ونسقيه [الفرقان : 49]؟؟؟ . وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، والضحاك ، والأعمش ، وابن أبي عبلة : " ونسقيه " بفتح النون . فأما الأناسي ، فقال الزجاج : هو جمع إنسي ، مثل كرسي وكراسي ; ويجوز أن يكون جمع إنسان ، وتكون الياء بدلا من النون ، الأصل : أناسين مثل سراحين . وقرأ أبو مجلز، [ ص: 95 ] والضحاك ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : " وأناسي " بتخفيف الياء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد صرفناه يعني المطر بينهم مرة لهذه البلدة ، ومرة لهذه ليذكروا أي : ليتفكروا في نعم الله عليهم فيحمدوه . وقرأ حمزة ، والكسائي : " ليذكروا " خفيفة الذال . قال أبو علي : يذكر في معنى يتذكر ، فأبى أكثر الناس إلا كفورا وهم الذين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، كفروا بنعمة الله . ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا المعنى : إنا بعثناك إلى جميع القرى لعظم كرامتك ، فلا تطع الكافرين وذلك أن كفار مكة دعوه إلى دين آبائهم ، وجاهدهم به أي بالقرآن جهادا كبيرا أي : تاما شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية