الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      فروع المندوب حسن بلا خلاف ، وهو من التكليف عند القاضي خلافا لإمام الحرمين ، وهو مبني على تفسير التكليف ، وسيأتي ، ولا يجب بالشروع خلافا لأبي حنيفة ومالك ، وإلا لناقض أصل ندبيته ، وأما وجوب إتمام الحج فلاختصاصه بأن فرضه كنفله نية وكفارة [ ص: 385 ] وغيرهما ، ومنهم من جعلها مفرعة على مسألة الكعبي ، وهو أن ما جاز تركه لا يكون فعله واجبا ، والحق : خلافه ; لأن مسألة الكعبي ما يجوز تركه ، والقائل بالوجوب هنا لا يجوز الترك ، فلا يصح تفريعها عليها .

                                                      قال ابن المنير : ووقع لي مأخذ لطيف لمالك في أن الشرع يلزم أن الصوم والصلاة ونحوهما عبادات لا تقبل التجزئة ، فلو ركع إنسان ، فترك السجود لم يكن متعبدا ألبتة ، فإذا شرع فيما لا يتجزأ وجب عليه الإتمام ، ويكون التقويم على معتق البعض أصلا في هذا ، فإن حاصله إيجاب الإتمام على من شرع ويكون نظير عتق مشكل في العبادات من حيث قبل التجزئة ابتداء واستقرت فيه التنفل على الراحلة لضرورة السفر ، فإنه يقتصر على بعض الأركان ، وينتقل من الإتمام إلى الإيماء . قلت : وهو يرجع لمناسبة متدافعة كما ترى . وقال ابن عبد البر : من احتج على المنع بقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } فإنه جاهل بأقوال العلماء فإنهم اختلفوا فيها على قولين : فأكثرهم قالوا : لا تبطلوها بالرياء وأخلصوها ، وهم أهل السنة ، وقيل : لا تبطلوها بالكبائر ، وهو قول المعتزلة ، وقد يقال : اللفظ [ ص: 386 ] عام فهو متناول لذلك ، ولا يجب إلا بالنذر .

                                                      وفي " الاستذكار " للدارمي في باب الاعتكاف : إذا دخل في عمل تطوع ، ثم نواه واجبا فحكى أبو حامد أن المروزي قال : يجب ، وقال غيره : لا يجب . وهل يجب بأمر الإمام ؟ ينظر فإن كان من الشعائر الظاهرة وجب كما لو أمرهم بالاستسقاء في الجدب تجب طاعته ، وإن لم يكن من الشعائر الظاهرة لا يجب كما لو أمرهم بالعتق وصدقة التطوع . وأفتى النووي بأنه إذا أمرهم بصيام ثلاثة أيام من الاستسقاء وجب امتثال أمره ، وتوقف فيه بعضهم ; لأنه ليس من الشعائر الظاهرة ، فهو يشبه أمره بالصدقة ، وذكروا في السير : أن الإمام يأمرهم بصلاة العيد ، وهل هو واجب أو مستحب ؟ فيه وجهان . قال في " الروضة " : قلت : الصحيح وجوب الأمر ، وإن قلنا : صلاة العيد سنة ; لأن الأمر بالمعروف والطاعة لا سيما ما كان شعارا ظاهرا . ويجوز أن يكون بعض المندوب آكد من بعض ، ولهذا يقولون : سنة مؤكدة ، ولا يجيء فيه الخلاف السابق في الواجب كما اقتضاه كلام القاضي وغيره ، والمراد تفاصيل الأجور والثواب ، وإن تساوت في الترك . وقسم الفقهاء السنن إلى أبعاض وهيئات فخصوا ما تأكد أمره باسم البعض كأنه لتأكده صار كالجزء ، وهو اصطلاح خاص . [ ص: 387 ]

                                                      وقال ابن دقيق العيد في " شرح الإلمام " : لا خفاء أن مراتب السنن متفاوتة في التأكيد ، وانقسام ذلك إلى درجة عالية ومتوسطة ، ونازلة وذلك بحسب الدلائل الدالة على الطلب ، فمن الناس من قال : لا فرق بينهما ، وهي طريقة الشافعية إلا أنهم ربما فرقوا بلفظ الهيئات . قال : وأما التفرقة بين السنن والفضائل كما يفعله المالكية فلم أره إلا في كلام صاحب " الذخائر " فإنه حكى وجهين في أن غسل الكف من سنن الوضوء أو من فضائله .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية