الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة [ ص: 299 ] عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } أنها نزلت في ولي اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف وفي لفظ : أنزلت في ولي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف أخرجاهما ) .

                                                                                                                                            2322 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم ، فقال : { كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل } رواه الخمسة إلا الترمذي وللأثرم في سننه عن ابن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم ويستقرض منه ويدفعه مضاربة )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود ، وأشار المنذري إلى أن في إسناده عمرو بن شعيب ، وفي سماع أبيه من جده مقال قد تقدم التنبيه عليه وقال في الفتح : إسناده قوي والآية المذكورة تدل على جواز أكل ولي اليتيم من ماله بالمعروف إذا كان فقيرا ووجوب الاستعفاف إذا كان غنيا ، وهذا إن كان المراد بالغني والفقير في الآية : ولي اليتيم على ما هو المشهور وقيل : المعنى في الآية اليتيم : أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه ، وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف ، فلا يكون على هذا في الآية دلالة على الأكل من مال اليتيم أصلا ، وهذا التفسير رواه ابن التين عن ربيعة ، ولكن المتعين المصير إلى الأول لقول عائشة المذكور

                                                                                                                                            وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فروي عن عائشة أنه يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته ، وبه قال عكرمة والحسن وغيرهم وقيل : لا يأكل منه إلا عند الحاجة ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد : إذا أكل ثم أيسر قضى وقيل : لا يجب القضاء وقيل : إن كان ذهبا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئا إلا على سبيل القرض ، وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة ، وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس ، وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما ، أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره وقال : هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له

                                                                                                                                            وقال الشافعي : يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ، ولا يجب الرد على الصحيح [ ص: 300 ] عنده والظاهر من الآية والحديث جواز الأكل مع الفقر بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تبذير ولا تأثل ، والإذن بالأكل يدل إطلاقه على عدم وجوب الرد عند التمكن ، ومن ادعى الوجوب فعليه الدليل . قوله : ( غير مسرف ولا مبادر ) هذا مثل قوله تعالى: { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا } أي : مسرفين ومبادرين كبر الأيتام أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم يفرطون في إنفاقها ويقولون : ننفق ما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا ولفظ أبي داود " غير مسرف ولا مبذر "

                                                                                                                                            قوله : ( ولا متأثل ) قال في القاموس : أثل ماله تأثيلا : زكاه ، وأصله ، وملكه عظمه ، والأهل كساهم أفضل كسوة وأحسن إليهم ، والرجل كثر ماله انتهى . والمراد هنا أنه لا يدخر من مال اليتيم لنفسه ما يزيد على قدر ما يأكله . قال في الفتح : المتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة : هو المتخذ ، والتأثل : اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم ، وأثلة كل شيء : أصله قوله : ( إنه كان يزكي مال اليتيم . . . إلخ ) فيه أن ولي اليتيم يزكي ماله ويعامله بالقرض والمضاربة وما شابه ذلك




                                                                                                                                            الخدمات العلمية