[ ص: 318 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28987_28639ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( ثم ) للترتيب الرتبي المشير إلى أن مضمون الجملة المعطوفة متباعد في رتبة الرفعة على مضمون ما قبلها ; تنويها جليلا بشأن النبيء صلى الله عليه وسلم ، وبشريعة الإسلام ، وزيادة في التنويه
بإبراهيم عليه السلام ، أي جعلناك متبعا ملة
إبراهيم . وذلك أجل ما أوليناكما من الكرامة ، وقد بينت آنفا أن هذه الجملة هي المقصود ، وأن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إن إبراهيم كان أمة إلخ تمهيد لها .
وزيد
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123أوحينا إليك للتنبيه على أن اتباع
محمد ملة
إبراهيم كان بوحي من الله ، وإرشاد صادق ; تعريضا بأن الذين زعموا اتباعهم ملة
إبراهيم من العرب من قبل قد أخطأوها بشبهة مثل
nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، أو بغير شبهة مثل مزاعم
قريش في دينهم .
و ( أن ) تفسيرية فعل أوحينا ; لأن فيه معنى القول دون حروفه ، فاحتيج إلى تفسيره بحرف التفسير .
والاتباع : اقتفاء السير على سير آخر ، وهو هنا مستعار للعمل بمثل عمل الآخر .
وانتصب حنيفا على الحال من
إبراهيم فيكون زيادة تأكيد لمماثله قبله أو حالا من ضمير ( إليك ) أو من ضمير ( اتبع ) ، أي كن يا
محمد حنيفا كما كان
إبراهيم حنيفا ، ولذلك قال النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342043بعثت بالحنيفية السمحة .
وتفسير فعل أوحينا بجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123أن اتبع ملة إبراهيم تفسير بكلام جامع لما أوحى الله به إلى
محمد صلى الله عليه وسلم من شرائع الإسلام
[ ص: 319 ] مع الإعلام بأنها مقامة على أصول ملة
إبراهيم ، وليس المراد أوحينا إليك كلمة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123اتبع ملة إبراهيم حنيفا ; لأن النبيء صلى الله عليه وسلم لا يعلم تفاصيل ملة
إبراهيم ، فتعين أن المراد أن الموحى به إليه منبجس من شريعة
إبراهيم عليه السلام .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28987_28675_31851وما كان من المشركين هو مما أوحاه الله إلى
محمد صلى الله عليه وسلم المحكي بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك ، وهو عطف على حنيفا على كلا الوجهين في صاحب ذلك الحال ، فعلى الوجه الأول يكون الحال زيادة تأكيد لقوله قبله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120ولم يك من المشركين ، وعلى الوجه الثاني يكون تنزيها لشريعة الإسلام المتبعة لملة
إبراهيم من أن يخالطها شيء من الشرك .
ونفي كونه من المشركين هنا بحرف ( ما ) النافية ; لأن ( ما ) إذا نفت فعل ( كان ) أفادت قوة النفي ، ومباعدة المنفي ، وحسبك أنها يبنى عليها الجحود في نحو : ما كان ليفعل كذا .
فحصل من قوله السابق
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120ولم يك من المشركين من قوله هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123وما كان من المشركين ثلاث فوائد : نفي الإشراك عن
إبراهيم في جميع أزمنة الماضي ، وتجدد نفي الإشراك تجددا مستمرا ، وبراءته من الإشراك براءة تامة .
وقد علم من هذا أن دين الإسلام منزه عن أن تتعلق به شوائب الإشراك ; لأنه جاء كما جاء
إبراهيم معلنا توحيدا لله بالإلهية ، ومجتثا لوشيج الشرك ، والشرائع الإلهية كلها - وإن كانت تحذر من الإشراك - فقد امتاز القرآن من بينها بسد المنافذ التي يتسلل منها الإشراك بصراحة أقواله ، وفصاحة بيانه ، وأنه لم يترك في ذلك كلاما متشابها كما قد يوجد في بعض الكتب الأخرى ؛ مثل ما جاء في التوراة من وصف
اليهود بأبناء الله ، وما في الأناجيل من توهم بنوة
عيسى عليه السلام لله ، سبحانه عما يصفون .
[ ص: 320 ] وقد أشار إلى هذا المعنى قول النبيء صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342044أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه - أي أرض الإسلام - أبدا ، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم .
ومعنى اتباع
محمد ملة
إبراهيم الواقع في كثير من آيات القرآن أن دين الإسلام بني على أصول ملة
إبراهيم ، وهي أصول الفطرة ، والتوسط بين الشدة واللين ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم .
وفي قضية أمر
إبراهيم بذبح ولده عليهما السلام ، ثم فدائه بذبح شاة رمز إلى الانتقال من شدة الأديان الأخرى في قرابينها إلى سماحة دين الله الحنيف في القربان بالحيوان دون الآدمي ، ولذلك قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104وناديناه أن يا إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=105قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=106إن هذا لهو البلاء المبين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=107وفديناه بذبح عظيم .
فالشريعة التي تبنى تفاصيلها وتفاريعها على أصول شريعة تعتبر كأنها تلك الشريعة ، ولذلك قال المحققون من علمائنا : إن الحكم الثابت بالقياس في الإسلام يصح أن يقال إنه دين الله ، وإن كان لا يصح أن يقال : قاله الله . وليس المراد أن جميع ما جاء به الإسلام قد جاء به
إبراهيم عليه السلام - إذ لا يخطر ذلك بالبال - فإن الإسلام شريعة قانونية سلطانية وشرع
إبراهيم شريعة قبائلية خاصة بقوم ، ولا أن المراد أن الله أمر النبيء
محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة
إبراهيم ابتداء قبل أن يوحي إليه بشرائع دين الإسلام ; لأن ذلك ؛ وإن كان صحيحا من جهة المعنى وتحتمله ألفاظ الآية ؛ لكنه لا يستقيم إذ لم يرد في شيء من التشريع الإسلامي ما يشير إلى أنه نسخ لما كان عليه النبيء صلى الله عليه وسلم من قبل .
[ ص: 321 ] فاتباع النبيء ملة
إبراهيم كان بالقول والعمل في أصول الشريعة من إثبات التوحيد والمحاجة له ، واتباع ما تقتضيه الفطرة ، وفي فروعها مما أوحى الله إليه من الحنيفية مثل الختان ، وخصال الفطرة ، والإحسان .
[ ص: 318 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28987_28639ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( ثُمَّ ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ الْمُشِيرِ إِلَى أَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ مُتَبَاعِدٌ فِي رُتْبَةِ الرِّفْعَةِ عَلَى مَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا ; تَنْوِيهًا جَلِيلًا بِشَأْنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ، وَزِيَادَةً فِي التَّنْوِيهِ
بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَيْ جَعَلْنَاكَ مُتَّبِعًا مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ . وَذَلِكَ أَجَلُّ مَا أَوْلَيْنَاكُمَا مِنَ الْكَرَامَةِ ، وَقَدْ بَيَّنْتُ آنِفًا أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ ، وَأَنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً إِلَخْ تَمْهِيدٌ لَهَا .
وَزِيدَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعِ
مُحَمَّدٍ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ ، وَإِرْشَادٍ صَادِقٍ ; تَعْرِيضًا بِأَنَّ الَّذِينَ زَعَمُوا اتِّبَاعَهُمْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ قَبْلُ قَدْ أَخْطَأُوهَا بِشُبْهَةٍ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12467أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ ، وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، أَوْ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ مِثْلُ مَزَاعِمِ
قُرَيْشٍ فِي دِينِهِمْ .
وَ ( أَنْ ) تَفْسِيرِيَّةُ فِعْلِ أَوْحَيْنَا ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ ، فَاحْتِيجَ إِلَى تَفْسِيرِهِ بِحَرْفِ التَّفْسِيرِ .
وَالِاتِّبَاعُ : اقْتِفَاءُ السَّيْرِ عَلَى سَيْرٍ آخَرَ ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْعَمَلِ بِمِثْلِ عَمَلِ الْآخَرِ .
وَانْتَصَبَ حَنِيفًا عَلَى الْحَالِ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ فَيَكُونُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ لِمُمَاثِلِهِ قَبْلَهُ أَوْ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ ( إِلَيْكَ ) أَوْ مِنْ ضَمِيرِ ( اتَّبِعْ ) ، أَيْ كُنْ يَا
مُحَمَّدُ حَنِيفًا كَمَا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ حَنِيفًا ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342043بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ .
وَتَفْسِيرُ فِعْلِ أَوْحَيْنَا بِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ تَفْسِيرٌ بِكَلَامٍ جَامِعٍ لِمَا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ
[ ص: 319 ] مَعَ الْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا مُقَامَةٌ عَلَى أُصُولِ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَلِمَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ; لِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْلَمُ تَفَاصِيلَ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُوحَى بِهِ إِلَيْهِ مُنْبَجِسٌ مِنْ شَرِيعَةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28987_28675_31851وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ هُوَ مِمَّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَنِيفًا عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي صَاحِبِ ذَلِكَ الْحَالِ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْحَالُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ تَنْزِيهًا لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ الْمُتَّبِعَةِ لِمِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَنْ يُخَالِطَهَا شَيْءٌ مِنَ الشِّرْكِ .
وَنَفِيُ كَوْنِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ هُنَا بِحَرْفِ ( مَا ) النَّافِيَةِ ; لِأَنَّ ( مَا ) إِذَا نَفَتْ فِعْلَ ( كَانَ ) أَفَادَتْ قُوَّةَ النَّفْيِ ، وَمُبَاعَدَةَ الْمَنْفِيِّ ، وَحَسَبُكَ أَنَّهَا يُبْنَى عَلَيْهَا الْجُحُودُ فِي نَحْوِ : مَا كَانَ لِيَفْعَلَ كَذَا .
فَحَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثُ فَوَائِدَ : نَفْيُ الْإِشْرَاكِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْمَاضِي ، وَتَجَدُّدُ نَفْيِ الْإِشْرَاكِ تَجَدُّدًا مُسْتَمِرًّا ، وَبَرَاءَتُهُ مِنَ الْإِشْرَاكِ بَرَاءَةً تَامَّةً .
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ شَوَائِبُ الْإِشْرَاكِ ; لِأَنَّهُ جَاءَ كَمَا جَاءَ
إِبْرَاهِيمُ مُعْلِنًا تَوْحِيدًا لِلَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ ، وَمُجْتَثًّا لِوَشِيجِ الشِّرْكِ ، وَالشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ كُلِّهَا - وَإِنْ كَانَتْ تُحَذِّرُ مِنَ الْإِشْرَاكِ - فَقَدِ امْتَازَ الْقُرْآنُ مِنْ بَيْنِهَا بِسَدِّ الْمَنَافِذِ الَّتِي يَتَسَلَّلُ مِنْهَا الْإِشْرَاكُ بِصَرَاحَةِ أَقْوَالِهِ ، وَفَصَاحَةِ بَيَانِهِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ فِي ذَلِكَ كَلَامًا مُتَشَابِهًا كَمَا قَدْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْأُخْرَى ؛ مِثْلُ مَا جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ مَنْ وَصْفِ
الْيَهُودِ بِأَبْنَاءِ اللَّهِ ، وَمَا فِي الْأَنَاجِيلِ مِنْ تَوَهُّمِ بُنُوَّةِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّهِ ، سُبْحَانَهُ عَمَّا يَصِفُونَ .
[ ص: 320 ] وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342044أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي أَرْضِكُمْ هَذِهِ - أَيْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ - أَبَدًا ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ .
وَمَعْنَى اتِّبَاعِ
مُحَمَّدٍ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ الْوَاقِعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ بُنِيَ عَلَى أُصُولِ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَهِيَ أُصُولُ الْفِطْرَةِ ، وَالتَّوَسُّطُ بَيْنَ الشِّدَّةِ وَاللِّينِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ .
وَفِي قَضِيَّةِ أَمْرِ
إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، ثُمَّ فِدَائِهِ بِذَبْحِ شَاةٍ رَمَزٌ إِلَى الِانْتِقَالِ مِنْ شِدَّةِ الْأَدْيَانِ الْأُخْرَى فِي قَرَابِينِهَا إِلَى سَمَاحَةِ دِينِ اللَّهِ الْحَنِيفِ فِي الْقُرْبَانِ بِالْحَيَوَانِ دُونَ الْآدَمِيِّ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=105قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=106إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=107وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ .
فَالشَّرِيعَةُ الَّتِي تُبْنَى تَفَاصِيلُهَا وَتَفَارِيعُهَا عَلَى أُصُولِ شَرِيعَةٍ تُعْتَبَرُ كَأَنَّهَا تِلْكَ الشَّرِيعَةُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا : إِنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ فِي الْإِسْلَامِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ دِينُ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : قَالَهُ اللَّهُ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ قَدْ جَاءَ بِهِ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذْ لَا يَخْطُرُ ذَلِكَ بِالْبَالِ - فَإِنَّ الْإِسْلَامَ شَرِيعَةٌ قَانُونِيَّةٌ سُلْطَانِيَّةٌ وَشَرْعُ
إِبْرَاهِيمَ شَرِيعَةٌ قَبَائِلِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِقَوْمٍ ، وَلَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ النَّبِيءَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُوحِي إِلَيْهِ بِشَرَائِعِ دِينِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ ؛ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَتَحْتَمِلُهُ أَلْفَاظُ الْآيَةِ ؛ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِيِّ مَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ نَسْخٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلُ .
[ ص: 321 ] فَاتِّبَاعُ النَّبِيءِ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ مِنْ إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالْمُحَاجَّةِ لَهُ ، وَاتِّبَاعِ مَا تَقْتَضِيهِ الْفِطْرَةُ ، وَفِي فُرُوعِهَا مِمَّا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ مِثْلُ الْخِتَانِ ، وَخِصَالِ الْفِطْرَةِ ، وَالْإِحْسَانِ .