الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حسن ]

                                                          حسن : الحسن : ضد القبح ونقيضه . الأزهري : الحسن نعت لما حسن ; حسن وحسن يحسن حسنا فيهما ، فهو حاسن وحسن ; قال الجوهري : والجمع محاسن ، على غير قياس ؛ كأنه جمع محسن . وحكى اللحياني : احسن إن كنت حاسنا ؛ فهذا في المستقبل ، وإنه لحسن ، يريد فعل الحال ، وجمع الحسن حسان . الجوهري : تقول قد حسن الشيء ، وإن شئت خففت الضمة فقلت : حسن الشيء ، ولا يجوز أن تنقل الضمة إلى الحاء لأنه خبر ، وإنما يجوز النقل إذا كان بمعنى المدح أو الذم لأنه يشبه في جواز النقل بنعم وبئس ، وذلك أن الأصل فيهما نعم وبئس ، فسكن ثانيهما ونقلت حركته إلى ما قبله ، فكذلك كل ما كان في معناهما ; قال سهم بن حنظلة الغنوي :


                                                          لم يمنع الناس مني ما أردت ، وما أعطيهم ما أرادوا ، حسن ذا أدبا



                                                          أراد : حسن هذا أدبا ، فخفف ونقل . ورجل حسن بسن : إتباع له ، وامرأة حسنة ، وقالوا : امرأة حسناء ولم يقولوا رجل أحسن ، قال ثعلب : وكان ينبغي أن يقال لأن القياس يوجب ذلك ، وهو اسم أنث من غير تذكير ، كما قالوا غلام أمرد ولم يقولوا جارية مرداء فهو تذكير من غير تأنيث . والحسان ، بالضم : أحسن من الحسن . قال ابن سيده : ورجل حسان ، مخفف ، كحسن ، وحسان ، والجمع حسانون ، قال سيبويه : ولا يكسر ، استغنوا عنه بالواو والنون ، والأنثى حسنة ، والجمع حسان كالمذكر وحسانة ; قال الشماخ :


                                                          دار الفتاة التي كنا نقول لها :     يا ظبية عطلا حسانة الجيد



                                                          والجمع حسانات ، قال سيبويه : إنما نصب دار بإضمار أعني ، ويروى بالرفع . قال ابن بري : حسين وحسان وحسان مثل كبير وكبار وكبار وعجيب وعجاب وعجاب وظريف وظراف وظراف ; وقال ذو الإصبع :


                                                          كأنا يوم قرى إن     نما نقتل إيانا
                                                          قياما بينهم كل     فتى أبيض حسانا



                                                          وأصل قولهم شيء حسن حسين لأنه من حسن يحسن كما قالوا عظم فهو عظيم ، وكرم فهو كريم ، كذلك حسن فهو حسين ، إلا أنه جاء نادرا ، ثم قلب الفعيل فعالا ثم فعالا إذا بولغ في نعته فقالوا حسن وحسان وحسان ، وكذلك كريم وكرام وكرام ، وجمع الحسناء من النساء حسان ولا نظير لها إلا عجفاء وعجاف ، ولا يقال للذكر أحسن ، إنما تقول هو الأحسن على إرادة التفضيل ، والجمع الأحاسن . وأحاسن القوم : حسانهم . وفي الحديث : أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا وهي الحسنى . والحاسن : القمر . وحسنت الشيء تحسينا : زينته ، وأحسنت إليه وبه ، وروى الأزهري عن أبي الهيثم أنه قال في قوله ، تعالى ، في قصة يوسف ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام : وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن أي قد أحسن إلي . والعرب تقول : أحسنت بفلان وأسأت بفلان أي أحسنت إليه وأسأت إليه . وتقول : أحسن بنا أي أحسن إلينا ولا تسئ بنا ; قال كثير :


                                                          أسيئي بنا أو أحسني ، لا ملومة     لدينا ، ولا مقلية إن تقلت



                                                          وقوله تعالى : وصدق بالحسنى قيل أراد الجنة وكذلك قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فالحسنى هي الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله ، تعالى . ابن سيده : والحسنى هنا الجنة ، وعندي أنها المجازاة الحسنى . والحسنى : ضد السوأى . وقوله تعالى : وقولوا للناس حسنا . قال أبو حاتم : قرأ الأخفش وقولوا للناس حسنى ، فقلت : هذا لا يجوز ؛ لأن حسنى مثل فعلى ، وهذا لا يجوز إلا بالألف واللام ; قال ابن سيده : هذا نص لفظه ، وقال : قال ابن جني : هذا عندي غير لازم لأبي الحسن ، لأن حسنى هنا غير صفة ، وإنما هو مصدر بمنزلة الحسن كقراءة غيره : وقولوا للناس حسنا ومثله في الفعل والفعلى : الذكر والذكرى ، وكلاهما مصدر ، ومن الأول البؤس والبؤسى والنعم والنعمى ، ولا يستوحش من تشبيه حسنى بذكرى لاختلاف الحركات ، ف سيبويه قد عمل مثل هذا فقال : ومثل النضر الحسن إلا أن هذا مسكن الأوسط ، يعني النضر ، والجمع الحسنيات والحسن ، لا يسقط منهما الألف واللام لأنها معاقبة ؛ فأما قراءة من قرأ : وقولوا للناس حسنى ، فزعم الفارسي أنه اسم مصدر ومعنى قوله : وقولوا للناس حسنا أي قولا ذا حسن والخطاب لليهود أي اصدقوا في صفة محمد ، صلى الله عليه وسلم . وروى الأزهري عن أحمد بن يحيى أنه قال : قال بعض أصحابنا : اخترنا حسنا لأنه يريد قولا حسنا ، قال : والأخرى مصدر حسن يحسن حسنا ، قال : ونحن نذهب إلى أن الحسن شيء من الحسن ، والحسن شيء من الكل ، ويجوز هذا وهذا ، قال : واختار أبو حاتم حسنا ، وقال الزجاج : من قرأ حسنا بالتنوين ففيه قولان أحدهما : وقولوا للناس قولا ذا حسن ، قال : وزعم الأخفش أنه يجوز أن يكون حسنا في معنى حسنا ، قال : ومن قرأ حسنى فهو خطأ لا يجوز أن يقرأ به ، وقوله ، تعالى : قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين فسره ثعلب فقال : الحسنيان الموت أو الغلبة ، يعني الظفر أو الشهادة ، وأنثهما لأنه أراد الخصلتين ، وقوله تعالى : والذين اتبعوهم بإحسان أي باستقامة وسلوك الطريق الذي درج السابقون عليه ، وقوله تعالى : وآتيناه في الدنيا حسنة يعني إبراهيم ، صلوات الله على نبينا وعليه ، آتيناه لسان صدق وقوله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات الصلوات الخمس تكفر ما بينها . والحسنة : ضد السيئة . وفي التنزيل العزيز : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والجمع حسنات ولا يكسر . والمحاسن في الأعمال : ضد المساوي . وقوله ، تعالى : إنا نراك من المحسنين الذين يحسنون التأويل . ويقال : إنه كان ينصر الضعيف ويعين المظلوم ويعود المريض ، فذلك إحسانه . وقوله تعالى : ويدرءون [ ص: 124 ] بالحسنة السيئة أي يدفعون بالكلام الحسن ما ورد عليهم من سيء غيرهم . وقال أبو إسحاق في قوله ، عز وجل : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن قال : يكون تماما على المحسن ، المعنى تماما من الله على المحسنين ، ويكون تماما على الذي أحسن على الذي أحسنه موسى من طاعة الله واتباع أمره ، وقال : يجعل الذي في معنى ما يريد تماما على ما أحسن موسى . وقوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قيل : هو أن يأخذ من ماله ما ستر عورته وسد جوعته . وقوله ، عز وجل : ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فسره ثعلب فقال : هو الذي يتبع الرسول . وقوله عز وجل : أحسن كل شيء خلقه أحسن يعني حسن يقول حسن خلق كل شيء ، نصب خلقه على البدل ، ومن قرأ خلقه فهو فعل . وقوله تعالى : ولله الأسماء الحسنى تأنيث الأحسن . يقال : الاسم الأحسن والأسماء الحسنى ; ولو قيل في غير القرآن الحسن لجاز ; ومثله قوله تعالى : لنريك من آياتنا الكبرى لأن الجماعة مؤنثة . وقوله تعالى : ووصينا الإنسان بوالديه حسنا أي يفعل بهما ما يحسن حسنا . وقوله تعالى : واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم أي اتبعوا القرآن ، ودليله قوله : نزل أحسن الحديث وقوله تعالى : ربنا آتنا في الدنيا حسنة أي نعمة ويقال حظوظا حسنة . وقوله تعالى : وإن تصبهم حسنة أي نعمة ، وقوله : إن تمسسكم حسنة تسؤهم أي غنيمة وخصب ، وإن تصبكم سيئة أي محل . وقوله تعالى : وأمر قومك يأخذوا بأحسنها أي يعملوا بحسنها ، ويجوز أن يكون نحو ما أمرنا به من الانتصار بعد الظلم ، والصبر أحسن من القصاص والعفو أحسن . والمحاسن : المواضع الحسنة من البدن . يقال : فلانة كثيرة المحاسن ; قال الأزهري : لا تكاد العرب توحد المحاسن ، وقال بعضهم : واحدها محسن ; قال ابن سيده : وليس هذا بالقوي ولا بذلك المعروف ؛ إنما المحاسن عند النحويين وجمهور اللغويين جمع لا واحد له ، ولذلك قال سيبويه : إذا نسبت إلى محاسن قلت محاسني ، فلو كان له واحد لرده إليه في النسب ، وإنما يقال إن واحده حسن على المسامحة ، ومثله المفاقر والمشابه والملامح والليالي . ووجه محسن : حسن ، وحسنه الله ، ليس من باب مدرهم ومفئود كما ذهب إليه بعضهم فيما ذكر . وطعام محسنة للجسم ، بالفتح : يحسن به . والإحسان ضد الإساءة . ورجل محسن ومحسان ; الأخيرة عن سيبويه ، قال : ولا يقال ما أحسنه ; أبو الحسن : يعني من هذه ، لأن هذه الصيغة قد اقتضت عنده التكثير فأغنت عن صيغة التعجب . ويقال : أحسن يا هذا فإنك محسان ; أي لا تزال محسنا . وفسر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، الإحسان حين سأله جبريل ، صلوات الله عليهما وسلامه ، فقال : هو أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وهو تأويل قوله ، تعالى : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وأراد بالإحسان الإخلاص ، وهو شرط في صحة الإيمان والإسلام معا ، وذلك أن من تلفظ بالكلمة وجاء بالعمل من غير إخلاص لم يكن محسنا ، وإن كان إيمانه صحيحا ، وقيل : أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطاعة ؛ فإن من راقب الله أحسن عمله ، وقد أشار إليه في الحديث بقوله : ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وقوله ، عز وجل : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان أي ما جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة . وأحسن به الظن : نقيض أساءه ، والفرق بين الإحسان والإنعام أن الإحسان يكون لنفس الإنسان ولغيره ، تقول : أحسنت إلى نفسي ، والإنعام لا يكون إلا لغيره . وكتاب التحاسين : خلاف المشق ، ونحو هذا يجعل مصدرا ثم يجمع كالتكاذيب والتكاليف ، وليس الجمع في المصدر بفاش ، ولكنهم يجرون بعضه مجرى الأسماء ثم يجمعونه . والتحاسين : جمع التحسين ، اسم بني على تفعيل ، ومثله تكاليف الأمور وتقاصيب الشعر ما جعد من ذوائبه . وهو يحسن الشيء أي يعمله ، ويستحسن الشيء أي يعده حسنا . ويقال : إني أحاسن بك الناس . وفي النوادر : حسيناؤه أن يفعل كذا ، وحسيناه مثله ، وكذلك غنيماؤه وحميداؤه أي جهده وغايته . وحسان : اسم رجل ، إن جعلته فعالا من الحسن أجريته ، وإن جعلته فعلان من الحس وهو القتل أو الحس بالشيء لم تجره ; قال ابن سيده : وقد ذكرنا أنه من الحس أو من الحس ، وقال : ذكر بعض النحويين أنه فعال من الحسن ، قال : وليس بشيء . قال الجوهري : وتصغير فعال حسيسين ، وتصغير فعلان حسيسان . قال ابن سيده : وحسن وحسين يقالان باللام في التسمية على إرادة الصفة ، وقال : قال سيبويه : أما الذين قالوا الحسن في اسم الرجل ؛ فإنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه ولم يجعلوه سمي بذلك ، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه ، ومن قال حسن فلم يدخل فيه الألف واللام فهو يجريه مجرى زيد . وفي حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه : كنا عند النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في ليلة ظلماء حندس وعنده الحسن والحسين ، رضي الله عنهما ، فسمع تولول فاطمة ، رضوان الله عليها ، وهي تناديهما : يا حسنان يا حسينان ! فقال : الحقا بأمكما ; غلبت أحد الاسمين على الآخر كما قالوا العمران لأبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، والقمران للشمس والقمر ; قال أبو منصور : ويحتمل أن يكون كقولهم الجلمان للجلم ، والقلمان للمقلام ، وهو المقراض ، وقال : هكذا روى سلمة عن الفراء ، بضم النون فيهما جميعا ؛ كأنه جعل الاسمين اسما واحدا فأعطاهما حظ الاسم الواحد من الإعراب . وذكر الكلبي أن في طيء بطنين يقال لهما الحسن والحسين . والحسن : اسم رملة لبني سعد ; وقال الأزهري : الحسن نقا في ديار بني تميم معروف ، وجاء في الشعر الحسنان يريد الحسن وهو هذا الرمل بعينه ; قال الجوهري : قتل بهذه الرملة أبو الصهباء بسطام بن قيس بن خالد الشيباني ، يوم النقا ، قتله عاصم بن خليفة الضبي ، قال : وهما حبلان أو نقوان يقال لأحد هذين الحبلين الحسن ; قال عبد الله بن عنمة الضبي في الحسن يرثي بسطام بن قيس :


                                                          لأم الأرض ويل ما أجنت     بحيث أضر بالحسن السبيل



                                                          [ ص: 125 ] وفي حديث أبي رجاء العطاردي : وقيل له ما تذكر ؟ فقال : أذكر مقتل بسطام بن قيس على الحسن ; وهو بفتحتين : جبل معروف من رمل ، وكان أبو رجاء قد عمر مائة وثمانيا وعشرين سنة ، وإذا ثنيت قلت الحسنان ; وأنشد ابن سيده في الحسنين لشمعلة بن الأخضر الضبي :


                                                          ويوم شقيقة الحسنين لاقت     بنو شيبان آجالا قصارا
                                                          شككنا بالأسنة ، وهي زور     صماخي كبشهم حتى استدارا
                                                          فخر على الألاءة لم يوسد     وقد كان الدماء له خمارا



                                                          قوله : وهي زور يعني الخيل ، وأنشد فيه ابن بري لجرير :


                                                          أبت عيناك بالحسن الرقادا     وأنكرت الأصادق والبلادا



                                                          وأنشد الجوهري في حسين جبل :


                                                          تركنا ، بالنواصف من حسين     نساء الحي يلقطن الجمانا



                                                          فحسين هاهنا : جبل . ابن الأعرابي : يقال أحسن الرجل إذا جلس على الحسن ، وهو الكثيب النقي العالي ، قال : وبه سمي الغلام حسنا . والحسين : الجبل العالي ، وبه سمي الغلام حسينا . والحسنان : جبلان ، أحدهما بإزاء الآخر . وحسنى : موضع . قال ابن الأعرابي : إذا ذكر كثير غيقة فمعها حسنى ، وقال ثعلب : إنما هو حسي ، وإذا لم يذكر غيقة فحسمى . وحكى الأزهري عن علي بن حمزة : الحسن شجر الألاء مصطفا بكثيب رمل ، فالحسن هو الشجر ، سمي بذلك لحسنه ونسب الكثيب إليه فقيل نقا الحسن ، وقيل : الحسنة جبل أملس شاهق ليس به صدع ، والحسن جمعه ; قال أبو صعترة البولاني :


                                                          فما نطفة من حب مزن تقاذفت     به حسن الجودي ، والليل دامس



                                                          ويروى : به جنبتا الجودي ، والجودي واد ، وأعلاه بأجأ في شواهقها ، وأسفله أباطح سهلة ، ويسمي الحسنة أهل الحجاز الملقة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية