الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما صفة التدبير فالتدبير متجزئ في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد لا يتجزأ لأنه باعتبار الحال إثبات حق الحرية ، فيعتبر بإثبات حقيقة الحرية ، وإثبات حقيقة الحرية يتجزأ عنده ، وعندهما لا يتجزأ .

                                                                                                                                كذا إثبات حق الحرية باعتبار المال وهو إثبات حقيقة الحرية ، فكان إعتاقا .

                                                                                                                                فكان الخلاف فيه لازما ، وعلى هذا يخرج عبد بين اثنين دبره أحدهما إن على قول أبي حنيفة صار نصيبه خاصة مدبرا ونصيب شريكه على ملكه ; لكون التدبير متجزئا عنده فيقتصر على نصيبه ، ثم إن كان المدبر موسرا فللشريك ست خيارات إن شاء أعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء ضمن وإن شاء استسعى العبد وإن شاء تركه على حاله .

                                                                                                                                أما خيار الإعتاق والتدبير والكتابة والاستسعاء ، فلأن نصيبه بقي على ملكه في حق التخريج إلى العتاق .

                                                                                                                                وأما خيار التضمين فلأنه بالتدبير أخرجه من أن يكون محلا للتملك مطلقا بالبيع والهبة والرهن ونحو ذلك ، فقد أتلفه عليه في حق هذه التصرفات فكان له ولاية التضمين .

                                                                                                                                وأما خيار الترك على حاله فلأن الحرية لم تثبت في جزء منه فجاز إبقاؤه على الرق ، وإنه مفيد ; لأن له أن ينتفع به منفعة الكسب والخدمة ، فلا يكلف بالتخريج إلى الحرية ما لم يمت المدبر فإن اختار الإعتاق فأعتق ، فللمدبر أن يرجع على المعتق بنصف قيمته مدبرا ; لأنه أتلف عليه نصيبه وهو مدبر فيضمن قيمته مدبرا والولاء بينهما ; لأن الإعتاق منهما لأن نصيب المدبر لا يحتمل الانتقال إلى المعتق ; لأن التدبير يمنع من ذلك وللمعتق أن يرجع على العبد بما ضمن ; لأن منفعة الإعتاق حصلت له ، وإن شاء المدبر أعتق نصيبه وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى وليس له الترك على حاله ; لأنه معتق البعض ، فيجب تخريجه إلى العتاق ، هذا إذا كان المعتق موسرا فإن كان معسرا فللمدبر ثلاثة خيارات إن شاء أعتق وإن شاء استسعى وإن شاء كاتب وإن شاء اختار التدبير فدبر نصيبه حتى صار العبد مدبرا بينهما ، وساوى شريكه في التصرف ثم مات أحدهما عتق نصيب الميت بالتدبير ويكون من الثلث ; لأن التدبير وصية ، ويسعى في نصف قيمته للباقي إن شاء ; لأنه صار معتق البعض ، وإن شاء أعتق وإن شاء كاتب وليس له الترك على حاله لما قلنا .

                                                                                                                                فإن مات الشريك الآخر قبل أخذ السعاية عتق نصيبه من الثلث أيضا لما قلنا ، وبطلت السعاية ; لأن العتق حصل بموت المولى والمدبر إذا أعتق بموت مولاه وقيمته تخرج من الثلث لا يجب عليه السعاية ، وقيل إن هذا على قياس قول أبي حنيفة ، فأما على قياس قولهما فلا يبطل ; لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ فقد عتق كله بموت الأول فوجبت السعاية عليه وهو حر ، فكان ذلك بمنزلة ديون وجبت على الحر فلا تسقط بالموت .

                                                                                                                                وأما على قول أبي حنيفة فلا يعتق نصيب الشريك ما لم يؤد السعاية إذا اختار السعاية ; لأن الإعتاق متجزئ عنده فإذا مات الشريك فهذا مدبر مات مولاه وقيمته تخرج من الثلث فيعتق من غير سعاية ، وإن اختار الكتابة وكاتبه صحت الكتابة ; لأن نصيبه على ملكه فإن أدى فعتق مضى الأمر ، وإن مات المولى قبل الأداء وهو يخرج من الثلث عتق وبطلت عنه السعاية ، وإن كان لا يخرج من الثلث بأن لم يكن له مال غيره ففيه خلاف بين أصحابنا الثلاثة يذكر فيما بعد إن شاء الله [ ص: 117 ] تعالى وإن اختار تضمين المدبر فضمنه فقد صار العبد كله للمدبر لانتقال نصيب شريكه إليه بالضمان ، والولاء كله للمدبر ; لأن كله عتق على ملكه وللمدبر أن يرجع بما ضمن على العبد فيستسعيه ; لأن الشريك كان له أن يستسعيه فلما ضمن المدبر قام مقامه فيما كان له .

                                                                                                                                فإن مات المدبر عتق نصفه من ثلث المال ; لأن نصفه قد صار مدبرا فيعتق بموته ، لكن من ثلث المال لما قلنا ويسعى في النصف الآخر كاملا للورثة ; لأن ذلك النصف كان قنا وإن شاءوا أعتقوا ذلك النصف وإن شاءوا دبروا وإن شاءوا كاتبوا وإن شاءوا تركوه على حاله وإن اختار الاستسعاء سعى العبد في نصف قيمته ، فإذا أدى يعتق ذلك النصف ، ولا يضمن الشريك للمدبر شيئا لأن العتق حصل بسبب لا صنع له فيه فلم يوجد منه سبب وجوب الضمان وللمدبر أن يرجع على العبد فيستسعيه ; لأن العبد صار كمعتق البعض فإذا أدى يعتق كله والولاء بينهما ; لأن نصيب كل واحد منهما عتق على ملكه ، فإن مات المدبر قبل أن يأخذ السعاية بطلت السعاية وعتق ذلك النصف من ثلث ماله لما بينا ، وإن اختار ترك نصيبه على حاله فمات يكون نصيبه موروثا عنه فينتقل الخيار إلى الورثة في الإعتاق والتدبير والكتابة والاستسعاء والترك على حاله ; لأن نصيبه انتقل إليهم وقد كان له هذه الخيارات ، وإن مات المدبر عتق ذلك النصف من الثلث ، ولغير المدبر أن يستسعي العبد في نصف قيمته إن شاء وإن شاء أعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب ، وليس له خيار الترك ; لأنه صار معتق البعض فيجب تخريجه إلى العتق لا محالة ، والولاء بينهما ; لأن نصيب كل واحد منهما عتق على ملكه ، هذا إذا كان المدبر موسرا فإن كان معسرا فللشريك الخيارات التي ذكرنا إلا اختيار التضمين .

                                                                                                                                وأما على قولهما إذا دبر نصيبه فقد صار كله مدبرا ; لأن التدبير لا يتجزأ عندهما ويضمن المدبر لشريكه نصف قيمته موسرا كان أو معسرا فقد فرقا بين التدبير وبين الإعتاق إن في الإعتاق لا يضمن إذا كان معسرا ، وإنما يسعى العبد ; لأن هذا ضمان إتلاف أو ضمان تملك أو ضمان حبس المال ، وإنه لا يختلف باليسار والإعسار في أصول الشرع ، إلا أن السعاية في باب الإعتاق ثبتت بخلاف القياس بالنص ، ولأن بالإعتاق قد زال العبد عن ملك المعتق وصار حرا فيسعى وهو حر وههنا الملك قائم بعد التدبير وكسب المدبر على ملك مولاه ، فلا يمكن القول بالاستسعاء .

                                                                                                                                هذا إذا دبره أحدهما أو دبراه على التعاقب ، .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية