الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              464 - سعيد بن العباس الرازي

              ومنهم الواثق بالوصول ، الناطق بالأصول ، التارك للفضول ، له البيان الشافي ، والكلام الكافي ، نبذ الآراء ، وعدد الآلاء ، عمل على تصفية الباطن فركن إلى لطف الضامن ، أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي .

              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق بن محمد الزجاج ، ثنا محمود بن الفرج ، ثنا أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي ، قال : " أحذرك يا أخي شياطين الإنس والجن ، كما حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر ، واعلم أن قائدهم إبليس ، واعرف بقلبك من يدعوك إلى الهلكة ، ومن يدعوك إلى النجاة ، واستعن بالله ، فإن جميع الشر حب الدنيا ، هل رأيت رجلا عصى الله في التهاون والزهد في الدنيا والرضى بالقليل ؟ واحذر الدنيا وأهلها ، ومن يدعوك إليها ؛ فإن المحب للدنيا زعم بلسانه أنه يعبد ربه ، وهو يعبد هواه ودنياه بقلبه ونيته ، وغدوه ورواحه ، وطواعيته ، وغضبه ورضاه .

              واعلم أن العلماء هم أمناء الرسول عليه الصلاة والسلام ، وورثة الأنبياء عليهم السلام ، أما علمت أن النبي صلى الله [ ص: 71 ] عليه وسلم في زمانه دعا إلى الزهد في فضول الدنيا والتهاون بها ، ومن معه من العلماء كانوا يحذرون حلال الدنيا ويشفقون منها أشد من حذر الجهال من حرامها ؛ لأنه لا يسلم من الدنيا من ينالها ، ولا يسلم من شرها من أحبها وأمن مكرها ، هي حتف أهلها دون الحتف .

              واعلم أن العالم بالله الخائف من الله يهدم بحق الله باطل أهل الرغبة في الدنيا ، وأن العالم المغتر يطفئ نور الحق بظلمة الباطل .

              واعلم أن الله إذا أراد أن يغني فقيرا ، أو يفقر غنيا ، أو يرفع وضيعا ، أو يضع رفيعا ، فعل ما أراد من ذلك ، فلا تغالب الله على أمره ، ولا تلتمس شيئا من ذلك بغير طاعة الله ، فإن الذين التمسوا الأمور بغير طاعة الله خسروا خسرانا مبينا ، فيما أصابوا بما طالبوا ، وفيما أخطأهم مما أرادوا ، فانظر إذا كنت إماما أي إمام تكون ، فربما نجت الأمة بالإمام الواحد ، وربما هلكت بالإمام الواحد ، وإنما هما إمامان إمام هدى ، قال الله - عز وجل - : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) يعني على الدنيا ، وإنما صاروا أئمة حين صبروا عن الدنيا ، ولا يكون إمام هدى حجة لأهل الباطل ، فإنه قال : ( يهدون بأمرنا ) لا بأمر أنفسهم ولا بأمور الناس ، فقال : ( وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) فهذا إمام هدى ، فهو ومن أجابه شريكان ، وإمام آخر ، قال الله تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) ولا تجد أحدا يدعو إلى النار ، ولكن الدعاة إلى معصية الله ، فهذان إمامان هما مثل من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين .

              واعلم أن باب الآخرة مفتوح فادخله تصل إلى رحمة الله ، ولتكن في كنف الله وحفظه وولايته وستره وأجره ورزقه وكفايته ، فإن الله لا يخلف الميعاد .

              واعلم أنه ليس بين الله وبين العباد وسيلة إلا طاعته ، فإنها وسيلة العباد إليه ، فلا تتوسلوا إلى الله بغير الوسيلة التي جعلها الله سبيلا وسببا إليه ، فإن ديان الدين إنما يدين العباد غدا بأعمالهم ، ولا يدينهم بمنازلهم في الدنيا .

              واعلم أنك قد كفيت مؤنة من بعدك ، فلا تتكلف مؤنة من قد كفيت بإفساد نفسك ، واعلم أن الناس قبلك قد جمعوا لأولادهم ، فلم يبق ما جمعوا لهم ولا من جمعوا له ، واعلم [ ص: 72 ] أن لك في الدنيا ولباسها ونعيمها وشهوتها رغبة ، وإنك والله لئن طلبت النعيم بالتنعم في الدنيا والرغبة فيها ما أحسنت طلبه ، فازهد فيها تجد لليقين نورا ، وترى للترك فضلا وسرورا ، انظر إليها بالتصغير ؛ إذ كان قصيرا فانيا ، التمس استصغار الدنيا بالتقلل منها ، واستجلب حلاوة الترك بقصر الأمل فيها ، قد استدبرت أمورا لك فيها معتبر ومنظر ومتعظ ومزدجر ، وانظر ما صدر قوم عن معصية الله إلى غير عذاب الله عاجلا أو آجلا إلا من عصمه الله بالتوبة ، كن عالما عاملا فقد علم أقوام ولم يعملوا ، ولم يكن علمهم إلا عليهم ، والعلم والعمل قرينان لا ينفع أحدهما إلا بصاحبه ، اختر القلة وارتع في رياض المقلين تدرك ثمرة قلبك ، أما علمت أن النار حفت بالشهوات والجنة حفت بالمكاره ، اختر ما اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وادع إلى ما دعا إليه ، تكن لله وليا وللرسول أمينا وللمتقين إماما .

              واعلم أن العبد المؤمن ليس بالذي يشكر في السراء ، فإذا أصابه شيء مما يكره ترك دينه ، ومن لا خير له فيما يكره فليس له خير فيما يحب ، فقد جعل الله في الكره خيرا لمن صبر على البلاء واحتسب المصيبة ، وأحسن الظن بالله وصدق التوكل عليه ، وآمن بما وعد الله الصابرين ، كن داعيا إلى الله بما دعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتمس الرفعة بالتواضع ، والتمس الشرف بالدين ، وليكن ذلك في ترك دنياك لآخرتك تدرك شرف الدنيا والآخرة ، فإن أكمل إيمان العبد إذا آثر الآخرة على الدنيا ، واطلب حقيقة الإيمان بردك نفسك عن الدنيا ، وأجهد نفسك على طلب الآخرة ؛ فإن الكيس من دان نفسه وعمل لآخرته ، والعاجز من تمنى على الله الأماني .

              قال الشيخ أبو نعيم : لأبي عثمان الكلام المبسوط في مصنفاته ، وله من كثرة الأحاديث مسانيد وتفسير ما يقارب الأئمة في الكثرة ، حدث عن الأعلام : عن أبي نعيم ، وحسين المروزي ، والقعنبي ، وأحمد بن شبيب ، والحميدي ، وسلمة بن شبيب ، ومكي ، وقتيبة ، وعلي الطنافسي ، وأبي مسعود ، والحماني ، وسهل بن عثمان ، وابن كاسب ، وإبراهيم بن موسى .

              [ ص: 73 ] سمعت عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الواعظ ، قال : سمعت أحمد بن عيسى بن ماهان ، قال : سمعت سعيد بن العباس الرازي الصوفي - بمنى - يقول : سمعت حاتما الأصم ، يقول : " مؤمن عذر جور باشد ، ومنافق عيب جور باشد " .

              ومن مسانيد حديثه : ما حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا خالي عبد الله بن محمود بن الفرج ، ثنا أبي محمود ، ثنا أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي ، ثنا أحمد بن عبد الله بن نافع بن ثابت ، حدثني أبي ، عن عبد الله بن محمد بن عروة ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : قال لي الزبير : مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجذب عمامتي ، فالتفت إليه ، فقال لي : " يا زبير ، إن باب الرزق مفتوح من لدن العرش إلى قرار بطن الأرض ، يرزق الله كل عبد على قدر همته ونهمته " .

              حدثنا أبو إسحاق بن محمود بن الفرج ، ثنا سعيد بن العباس ، ثنا الحسن بن محمد الطنافسي ، ثنا ابن فضيل ، ثنا أبان بن أبي عياش ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يجاء بالدنيا مصورة يوم القيامة ، فتقول : يا رب ، اجعلني لرجل من أدنى أهل الجنة منزلة ، فيقول الله : " أنت أنتن من ذلك ، بل أنت وأهلك في النار " .

              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق ، ثنا محمود بن الفرج ، ثنا أبو عثمان سعيد بن العباس ، ثنا ابن كاسب ، ثنا عبد الله بن عبد الله ، عن الزبير بن الحارث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يؤكل طعام المتباهين " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية