الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما

                                                                                                                                                                                                لما وصف عبادة العباد ، وعدد صالحاتهم وحسناتهم ، وأثنى عليهم من أجلها ، ووعدهم الرفع من درجاتهم في الجنة : أتبع ذلك بيان أنه إنما اكترث لأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم ووعدهم ما وعدهم ، لأجل عبادتهم ، فأمر رسوله أن يصرح للناس ، ويجزم لهم القول بأن الاكتراث لهم عند ربهم ، إنما هذه للعبادة وحدها لا لمعنى آخر ، ولولا عبادتهم لم يكترث لهم البتة ولم يعتد بهم ولم يكونوا عنده شيء يبالى به . والدعاء : العبادة . و " ما" متضمنة لمعنى الاستفهام ، وهي في محل النصب ، وهي عبارة عن المصدر ، كأنه قيل : وأي عبء يعبأ بكم لولا دعاؤكم . يعني أنكم لا تستأهلون شيئا من العبء بكم لولا عبادتكم . وحقيقة قولهم ما عبأت به : ما اعتددت به من فوادح همومي ومما يكون عبثا علي ، كما تقول : ما اكترثت له ، أي : ما اعتددت به من كوارثي ومما يهمني . وقال الزجاج في تأويل ما يعبأ بكم ربي : أي وزن يكون لكم عنده ؟ ويجوز أن تكون " ما" نافية ، فقد كذبتم يقول : إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد بعبادي إلا عبادتهم ، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي ، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار . ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن استعصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ويتبع أمري ، فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك . وقيل : معناه ما يصنع بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام . وقيل : ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة . فإن قلت : إلى من يتوجه هذا الخطاب ؟ قلت : إلى الناس على الإطلاق ، ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون ، فخوطبوا بما وجدوا في جنسهم من العبادة والتكذيب . وقرئ : "فقد كذب الكافرون " . وقيل : يكون العذاب لزاما . وعن مجاهد -رضي الله عنه - : هو قتل يوم بدر ، وأنه لوزم بين القتلى لزاما ، وقرئ : "لزاما " ، بالفتح بمعنى اللزوم ، كالثبات والثبوت . والوجه أن ترك اسم كان غير منطوق به بعدما علم أنه مما توعد به ، لأجل الإبهام وتناول ما لا يكتنهه الوصف ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ سورة الفرقان لقي الله يوم القيامة وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأدخل الجنة بغير نصب " .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية