الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : إن كان عظم عليك يا محمد إعراض هؤلاء المشركين عنك ، وانصرافهم عن تصديقك فيما جئتهم به من الحق الذي [ ص: 337 ] بعثتك به ، فشق ذلك عليك ، ولم تصبر لمكروه ما ينالك منهم " فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض " يقول : فإن استطعت أن تتخذ سربا في الأرض مثل نافقاء اليربوع ، وهي إحدى جحرته فتذهب فيه " أو سلما في السماء " يقول : أو مصعدا تصعد فيه ، كالدرج وما أشبهها ، كما قال الشاعر :


لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا يبنى له في السماوات السلاليم



" فتأتيهم بآية " منها يعني بعلامة وبرهان على صحة قولك غير الذي أتيتك فافعل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

13201 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني [ ص: 338 ] معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء " و " النفق " السرب ، فتذهب فيه " فتأتيهم بآية " أو تجعل لك سلما في السماء ، فتصعد عليه ، فتأتيهم بآية أفضل مما أتيناهم به ، فافعل .

13202 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض " قال : سربا " أو سلما في السماء " قال : يعني الدرج .

13203 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء " أما " النفق " فالسرب ، وأما " السلم " فالمصعد .

13204 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس قوله : " نفقا في الأرض " قال : سربا .

وترك جواب الجزاء فلم يذكر لدلالة الكلام عليه ، ومعرفة السامعين بمعناه . وقد تفعل العرب ذلك فيما كان يفهم معناه عند المخاطبين به ، فيقول الرجل منهم للرجل : " إن استطعت أن تنهض معنا في حاجتنا ، إن قدرت على معونتنا " ويحذف الجواب ، وهو يريد : إن قدرت على معونتنا فافعل . فأما إذا لم يعرف المخاطب والسامع معنى الكلام إلا بإظهار الجواب لم يحذفوه . لا يقال : " إن تقم " فتسكت وتحذف الجواب ؛ لأن المقول ذلك له لا يعرف جوابه إلا بإظهاره ، [ ص: 339 ] حتى يقال : " إن تقم تصب خيرا " أو : " إن تقم فحسن " وما أشبه ذلك . ونظير ما في الآية مما حذف جوابه وهو مراد لفهم المخاطب لمعنى الكلام قول الشاعر :


فبحظ مما نعيش ولا تذ     هب بك الترهات في الأهوال



والمعنى : فبحظ مما نعيش فعيشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية