الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 123 ] ( 9 ) باب ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو

                                                                                                                        945 - ذكر مالك ؛ أنه بلغه أن عبدا لعبد الله بن عمر أبق ، وأن فرسا له عار ، فأصابهما المشركون ، ثم غنمهما المسلمون ، فردا على عبد الله بن عمر ، وذلك قبل أن تصيبهما المقاسم .

                                                                                                                        19665 - قال مالك : فيما يصيب العدو من أموال المسلمين : إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على أهله . وأما ما وقعت فيه المقاسم ، فلا يرد على أحد .

                                                                                                                        19666 - وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ، ثم غنمه المسلمون ، قال مالك : صاحبه أولى به بغير ثمن ، ولا قيمة ولا غرم ، ما لم تصبه المقاسم . فإن وقعت فيه المقاسم ، فإني أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن ، إن شاء الله .

                                                                                                                        [ ص: 124 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 124 ] 19667 - قال أبو عمر : أما خبر ابن عمر في العبد والفرس ، فذكر أبو إسحاق الفزاري ، عن موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر أن غلاما له أبق إلى الروم ، وفرسا له هرب ، فأخذها المشركون ، فردا إلى عبد الله بن عمر ، وعلى المسلمين يومئذ خالد بن الوليد .

                                                                                                                        قال موسى : وذلك عام اليرموك .

                                                                                                                        19668 - قال أبو عمر : يختلفون على نافع في هذا الحديث - والصحيح إن شاء الله - أن أحدهما رده عليه رسول الله صلى الله عليه سلم ، والثاني رده خالد بن الوليد .

                                                                                                                        19669 - أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر : قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، ومحمد بن سليمان الأنباري ، قالا : حدثنا عبد الله بن نمير : عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه ذهبت له فرس ، فأخذها العدو فغار عليهم المسلمون فرده عليه ، يعني خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه سلم .

                                                                                                                        19670 - وروى معمر : عن أيوب عن نافع ، عن ابن عمر : قال : أبق غلام لي يوم اليرموك ، ثم ظهر عليه المسلمون ، فردوه إلي .

                                                                                                                        19671 - وروى ابن جريج قال : سمعت نافعا يزعم أن عبد الله بن عمر ذهب العدو بفرسه فلما هزم العدو وجد خالد فرسه ، فرده إلى عبد الله بن عمر .

                                                                                                                        19671 - قال أبو عمر : رواية عبيد الله بن عمر عن نافع أولى بالصواب في [ ص: 125 ] ذلك ، إن شاء الله .

                                                                                                                        19672 - وللعلماء في هذه المسألة أقوال : ( أحدها ) : أن ما صار من أموال المسلمين إلى الكفار بغلبة من الكفار أو غير غلبة ، ثم ظفر به المسلمون ، فإنه يرد إلى صاحبه ، وعلم وثبت ذلك قبل القسم بلا شيء ، وإن أراده بعد القسمة ، فهو أحق بالقيمة .

                                                                                                                        19673 - وهو قول مالك ، والثوري والحسن بن حي .

                                                                                                                        19674 - وروي مثل هذا عن عمر بن الخطاب وسلمان بن ربيعة الباهلي .

                                                                                                                        19675 - وهو قول عطاء .

                                                                                                                        19676 - وبه قال أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        19677 - ( وقول ثان ) : أنهما غلبا عليه الكفار ، وجاوزوه ثم غنمه المسلمون فحاله ما ذكرنا .

                                                                                                                        19678 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري ، قالوا : وأما ما صار إلى المشركين من غير غلبة ، فصاحبه أحق به قبل القسم ، وبعده بلا شيء .

                                                                                                                        19679 - ( والقول الثالث ) : إن ما غلب عليه الكفار من أموال المسلمين : وما أبق إليهم من رقيق المسلمين من غير غلبة منهم ، ثم غنمه المسلمون ، فكل ذلك سواء هو لصاحبه ، بلا شيء قبل القسم وبعده .

                                                                                                                        19680 - وهو قول الشافعي ، به قال أبو ثور .

                                                                                                                        19681 - وعن الأوزاعي روايتان : ( أحدهما ) مثل قول أبي حنيفة ، ( والثانية ) : مثل قول مالك .

                                                                                                                        [ ص: 126 ] 19682 - وقال الثوري في العبد يأبق إلى العدو ، ثم يصيبه المسلمون أن صاحبه أحق به قسم أو لم يقسم .

                                                                                                                        19683 - وقال الأوزاعي : إن دخل العبد القسم من حصون العدو ، قسم مع أموال أهل الحصن ويكون فيئا ، وإن لم يرد الحصن رد إلى مولاه .

                                                                                                                        19684 - وفي المسألة قول رابع ، قاله الزهري وعبد الله بن دينار قال : ما أحرزه العدو ، ثم غنمه المسلمون ، فهو لجماعة المسلمين يقسمه المسلمون ، ولا يرد إلى صاحبه ، هو للجيش .

                                                                                                                        19685 - ذكر ابن أبي شيبة : قال : حدثنا عبد الله بن سليمان ، عن سعيد عن قتادة قال : قال علي ( رضي الله عنه ) : هو للمسلمين عامة ، لأنه كان لهم مالا .

                                                                                                                        19686 - وروى سفيان بن عيينة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : قال علي فيما قسم : ما أحرزه العدو فظهر عليه صاحبه فهو أحق به بالغنيمة .

                                                                                                                        19687 - وهذا خلاف ما ذكره أبو بكر ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه أن عليا كان يقول فيما أحرزه العدو من أموال المسلمين أنه بمنزلتهم .

                                                                                                                        19688 - قال : وكان الحسن يفتي بذلك .

                                                                                                                        19689 - قال أبو عمر : هذه رواية لسليمان التيمي ، عن الحسن .

                                                                                                                        19690 - وقد روى هشيم : عن مغيرة ، عن إبراهيم ، وعن يونس بن جبير ، قالا : ما أحرزه العدو من مال المسلمين فغنمه المسلمون وعرفه صاحبه فهو أحق [ ص: 127 ] به ما لم يقسم ، فإذا قسم فقد مضى .

                                                                                                                        19691 - ذكره أبو بكر بن هشيم ، قال : وحدثنا إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد مثله .

                                                                                                                        19692 - قال أبو عمر : احتج الشافعي لمذهبه بحديث عمران بن حصين قال : أغار المشركون على صاحب المدينة وأحرزوا العضباء ، وامرأة من المسلمين فلما كان ذات ليلة قامت المرأة ، وقد ناموا ، فجعلت ما تضع يدها على بعير إلا رغا حتى تأتي العضباء ، فأتت على ناقة ذلول ، فركبتها ، ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن الله نجاها لتنحرنها ، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ، فأتوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته المرأة بنذرها ، فقال بئسما جزيتيها ، لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية .

                                                                                                                        19693 - رواه حماد بن زيد ، وابن علية ، وعبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين .

                                                                                                                        19694 - وفي رواية بعضهم ، عن أيوب : فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        19695 - قال الشافعي : فهذا دليل على أن أهل الحرب لا يملكون عليها بالغلبة ولا بعدها ، ولو ملكوا عليها لملكت المرأة الناقة ، كسائر أموالهم لو أخذت [ ص: 128 ] شيئا منها ، ولو صح فيها نذرها .

                                                                                                                        19696 - وقد فضل الله المسلمين بأن لا يملك شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم ، ولا يرثها عنهم إلا أهل دينهم .

                                                                                                                        19697 - واحتج المخالفون للشافعي عليه بما رواه الحسن بن عمارة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس عن ابن عباس : أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك ، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة .

                                                                                                                        19698 - قال أبو عمر : الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه ، وترك الاحتجاج بحديثه .

                                                                                                                        19699 - وذكر الطحاوي أن علي بن المديني روى عن يحيى بن سعيد أنه سأل سعدا عن هذا الحديث فقال له من حديث عبد الملك بن ميسرة .

                                                                                                                        [ ص: 129 ] 19700 - وروى وكيع ، وعبد الرزاق ، عن الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن تميم بن طرفة ، قال : أصاب المشركون ناقة لرجل من المسلمين ، فاشتراها رجل من المسلمين من العدو فعرفها صاحبها فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأقام البينة فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أن يدفع له الثمن الذي اشتراها به من العدو ، وإلا خلى بينه وبينها .




                                                                                                                        الخدمات العلمية