الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) تقدم في هذه السياق من أول السورة إلى هنا ، أن أهل مكة لم يكن دأبهم في تكذيبهم للوحي المحمدي إلا كدأب من قبلهم من الأقوام الذين كذبوا رسلهم ، ولم يكونوا في استعجال نبيهم العذاب إلا كالذين استعجلوا رسلهم العذاب أيضا ، وتقدم فيه بيان بعض طباع البشر ولا سيما الكفار في الرعونة والعجلة ، وفي الضراعة إلى الله والإخلاص له عند الشدة ونسيانه عند الرخاء ، وفي الإشراك بالله بدعوى أن لهم شفعاء عند الله يدفعون عنهم الضر ويجلبون لهم النفع بوجاهتهم عنده ، ثم جاءت هذه الآية في بيان ما كان عليه الناس من الوحدة ، وما صاروا عليه من الاختلاف والفرقة ، فالتناسب بينها وبين ما قبلها في غاية القوة .

                          ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ) قيل : إن المراد بالناس هنا العرب ؛ فإنهم كانوا حنفاء على ملة إبراهيم إلى أن ظهر فيهم عمرو بن لحي الذي ابتدع لهم عبادة غير الله وصنع لهم الأصنام - كما ثبت في صحيح البخاري - فاختلفوا بأن أشرك بعضهم وثبت على الحنيفية آخرون .

                          وقيل : وهو المختار ، إن المراد الجنس البشري في جملته ، فإنهم كانوا أمة واحدة على الفطرة ، إذ كانوا يعيشون عيشة السذاجة والوحدة كأسرة واحدة ، حتى كثروا وتفرقوا فصاروا عشائر فقبائل فشعوبا تختلف حاجاتها وتتعارض منافعها ، فتتعادى وتتقاتل في التنازع فيها ، فبعث الله فيهم النبيين والمرسلين لهدايتهم ، وإزالة الاختلاف بكتاب الله ووحيه ، ثم اختلفوا في الكتاب نفسه أيضا بغيا بينهم واتباعا لأهوائهم ، وتقدم تفصيل هذا في تفسير ( 2 : 213 ) وأقوال المفسرين في المسألة والترجيح بينها .

                          [ ص: 269 ] ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) أي ولولا كلمة حق فاصلة سبقت من ربك في جعل جزاء الناس العام في الآخرة ، لعجله لهم في الدنيا بإهلاك المبطلين الباغين منهم ، فالمراد من الكلمة قوله تعالى في هذه السورة : ( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) ( 93 ) ومثله في سور أخرى .

                          والآية تتضمن الوعيد على اختلاف الناس المفضي إلى الشقاق والعدوان ، ولا سيما الاختلاف في كتاب الله الذي أنزله لإزالة الشقاق بحكمه ، وإدالة الوحدة والوفاق منه ، وتقدم بيانه وحكمته في تفسير آية البقرة ( 213 ) وفي غيرها ، وسنعود إلى بيان حكمته وحكمة خلق الإنسان مستعدا للاختلاف في تفسير آية سورة هود ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) ( 11 : 118 ) إلخ .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية