الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ( 46 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأصنام ، المكذبين بك : أرأيتم ، أيها المشركون بالله غيره ، إن أصمكم الله فذهب بأسماعكم ، وأعماكم فذهب بأبصاركم ، وختم على قلوبكم فطبع عليها ، حتى لا تفقهوا قولا ولا تبصروا حجة ، ولا تفهموا مفهوما ، أي إله غير الله الذي له عبادة كل عابد " يأتيكم به " يقول : يرد عليكم ما ذهب الله به منكم من الأسماع والأبصار والأفهام ، فتعبدوه أو تشركوه في عبادة ربكم الذي يقدر على ذهابه بذلك منكم ، وعلى رده عليكم إذا شاء ؟

وهذا من الله - تعالى ذكره - تعليم نبيه الحجة على المشركين به ، يقول له : قل لهم : إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا ، وإنما يستحق العبادة عليكم من كان بيده الضر والنفع ، والقبض والبسط ، القادر على كل ما أراد ، لا العاجز الذي لا يقدر على شيء .

ثم قال - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : " انظر كيف نصرف الآيات " يقول : انظر كيف نتابع عليهم الحجج ، ونضرب لهم الأمثال والعبر ، ليعتبروا ويذكروا فينيبوا ، " ثم هم يصدفون " يقول : ثم هم مع متابعتنا عليهم الحجج ، وتنبيهنا إياهم بالعبر ، عن الادكار والاعتبار يعرضون . [ ص: 366 ]

يقال منه : " صدف فلان عني بوجهه ، فهو يصدف صدوفا وصدفا " أي : عدل وأعرض ، ومنه قول ابن الرقاع :


إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه ، وهن عن كل سوء يتقى صدف



وقال لبيد :


يروي قوامح قبل الليل صادفة     أشباه جن ، عليها الريط والأزر



فإن قال قائل : وكيف قيل : " من إله غير الله يأتيكم به " فوحد " الهاء " [ ص: 367 ] وقد مضى الذكر قبل بالجمع فقال : " أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم " ؟

قيل : جائز أن تكون " الهاء " عائدة على " السمع " فتكون موحدة لتوحيد " السمع " وجائز أن تكون معنيا بها : من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم من السمع والأبصار والأفئدة ، فتكون موحدة لتوحيد " ما " . والعرب تفعل ذلك ، إذا كنت عن الأفعال وحدت الكناية ، وإن كثر ما يكنى بها عنه من الأفاعيل ، كقولهم : " إقبالك وإدبارك يعجبني " .

وقد قيل : إن " الهاء " التي في " به " كناية عن " الهدى " .

وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : " يصدفون " قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

13244 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " يصدفون " قال : يعرضون .

13245 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

13246 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يصدفون " قال : يعدلون .

13247 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " نصرف الآيات ثم هم يصدفون " قال : يعرضون عنها . [ ص: 368 ]

13248 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ثم هم يصدفون " قال : يصدون .

التالي السابق


الخدمات العلمية