الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
غزوة بني قينقاع

قال ابن سعد: وكانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من مهاجره.

قال ابن إسحاق: وكان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني [ ص: 444 ] قينقاع، ثم قال: "يا معشر يهود! احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم". قالوا: يا محمد: إنك ترى أنا قومك! ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة، أما والله لو حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس، فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير - أو عن عكرمة - عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا ) - أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش - ( فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) . قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنهم كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه. قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة، عن أبي عون، قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، وتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشبث به عبد الله بن أبي فيما روينا عن ابن إسحاق ، عن أبيه ، عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت.

قال: وفيه وفي عبد الله نزلت: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) إلى قوله: ( فإن حزب الله هم الغالبون ) .

[ ص: 445 ] وروينا عن ابن سعد، قال: وكانوا قوما من يهود حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول، وكانوا أشجع يهود، وكانوا صاغة، فوادعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد، ونبذوا العهد والمدة، فأنزل الله تعالى: ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أخاف من بني قينقاع". فسار إليهم ولواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب - وكان أبيض، ولم تكن الرايات يومئذ - واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة، وكانوا أول من غدر من اليهود، وحاربوا وتحصنوا في حصنهم، فحاصرهم أشد الحصار، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم، وأن لهم النساء والذرية، فأنزلهم، فكتفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، فكلم ابن أبي فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألح عليه، فقال: "حلوهم لعنهم الله ولعنه معهم"، وتركهم من القتل، وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، وتولى ذلك عبادة بن الصامت، فلحقوا بأذرعات، فما كان أقل بقاءهم بها.
وذكر ما تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم، وسيأتي ذكرنا له، وخمست أموالهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه الخمس، وفض أربعة أخماس على أصحابه، فكان أول ما خمس بعد بدر. وكان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة. انتهى ما وجدته عن ابن سعد.

كذا وقع صفيه الخمس، والمعروف أن الصفي غير الخمس. روينا عن الشعبي، من طريق أبي داود، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي (يختاره) قبل الخمس. وعن عائشة رضي الله عنها كانت صفية رضي الله عنها من الصفي.

[ ص: 446 ] فلا أدري أسقطت الواو أو كان هذا قبل حكم الصفي، والله أعلم. وكانوا أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، وكانوا حلفاء الخزرج.

التالي السابق


الخدمات العلمية