الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

وقد عرفت فيما تقدم المقام التاسع والعاشر : وهو أن قولهم خبر الواحد لا يفيد العلم ، قضية كاذبة باتفاق العقلاء إذا أخذت كلية عامة ، وقضية لا تفيد إن أخذت جزئية أو مهملة ، فإن عاقلا لا يقول : كل خبر واحد لا يفيد العلم حتى تنتصبوا للرد عليه كأنكم في شيء ، وكأنكم قد كسرتم عدو الإسلام ، فسودتم الأوراق بغير فائدة حتى كذب بعض الأصوليين كذبا صريحا لم يقله أحد قط ( فقال ) : مذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه أن خبر الواحد يفيد العلم من غير قرينة ، وهو مطرد عنده في خبر كل واحد .

فيا لله العجب كيف لا يستحي العاقل من المجاهرة بالكذب على أئمة الإسلام ، لكن عذر هذا وأمثاله أنهم يستجيزون نقل المذاهب عن الناس بلازم أقوالهم ، ويجعلون لازم المذهب في ظنهم مذهبا ، كما نقل بعض هؤلاء المباهتين أن مذهب أحمد بن حنبل وأصحابه أن الله لا يرى يوم القيامة ، قال : لأنه يقول أنه لا يرى إلا الأجسام ، وقد قام الدليل على أنه سبحانه وتعالى ليس بجسم ، فلا يكون مرئيا على قولهم ، ونقل هذا أيضا أن مذهبهم أن الله تعالى يجوز أن يتكلم بشيء ولا يعني به شيئا إلزاما لهم من قولهم إنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، بهذا القول الباطل الذي لم يقله أحد من أهل الأرض ، وكما نقل هذا أو غيره من أهل البهتان أن مذهبهم أن الله جسم إلزاما لهم بقولهم إن الله مستو على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه موصوف بصفات الكمال .

وبالجملة فمن يستجيز الكذب على الله ورسوله ، ويخبر عنه ما لم يخبر عن نفسه ، وينفي عنه ما أثبته لنفسه ، ويقول على الله ما لا يعلم ، كيف لا يستجيز الكذب [ ص: 616 ] على مخلوق مثله ، قلبه ملآن من الهوى والغل عليه وعلى أشباهه وأتباعه فالله الموعد وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

وأما الشهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون هذه الأحاديث فمما لا يستريب فيه من له أدنى علم بالسنن والآثار وقول الصحابة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم به المخبر عنه ، وقول التابعين كذلك ، وقول تابعي التابعين ، وقول جميع أئمة الإسلام في كتبهم والشهادة لا يشترط فيها قول ( أشهد ) .

قال ابن عباس : شهد عندي رجال مرضيون ، وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس ، ومعلوم أنهم لم يتلفظوا بلفظ ( أشهد ) ، وقال تعالى : قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم وشهادتهم إخبارهم أن الله تعالى حرمه ، والله تعالى أعلم .

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا من يومنا هذا إلى يوم الدين .

تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه وإعانته وتسديده هذا المختصر المفيد المشتمل على تقرير طريقة أهل السنة والجماعة والرد على مخالفيهم من أهل البدعة والشناعة ، فرحم الله مؤلفه وجزاه عن أهل السنة خيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية