الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ( 52 ) )

قال أبو جعفر : ذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين ، قال المشركون له : لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك !

ذكر الرواية بذلك :

13255 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو زبيد ، عن أشعث ، عن كردوس الثعلبي ، عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ، ونحوهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ هؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا ؟ أنحن نكون تبعا لهؤلاء ؟ اطردهم عنك ! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ! فنزلت [ ص: 375 ] هذه الآية : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " " وكذلك فتنا بعضهم ببعض " إلى آخر الآية .

13256 - . . . . . . . . . حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن كردوس الثعلبي ، عن عبد الله قال : مر الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ذكر نحوه .

13257 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن كردوس ، عن ابن عباس قال : مر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملأ من قريش ، ثم ذكر نحوه . [ ص: 376 ]

13258 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي سعد الأزدي وكان قارئ الأزد ، عن أبي الكنود ، عن خباب ، في قول الله - تعالى ذكره - : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " إلى قوله : " فتكون من الظالمين " قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب ، في أناس من الضعفاء من المؤمنين . فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه فقالوا : إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ! قال : نعم ! قالوا : فاكتب لنا عليك بذلك كتابا . قال : فدعا بالصحيفة ، ودعا عليا ليكتب . قال : ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريل بهذه الآية : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين " ثم قال : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين " ثم قال : " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة " فألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول : " سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة " ! فكنا نقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ، [ سورة الكهف : 28 ] . قال : فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد معنا بعد ، [ ص: 377 ] فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها ، قمنا وتركناه حتى يقوم .

13259 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، عن أبي الكنود ، عن خباب بن الأرت بنحو حديث الحسين بن عمرو ، إلا أنه قال في حديثه : فلما رأوهم حوله نفروهم ، فأتوه فخلوا به . وقال أيضا : " فتكون من الظالمين " ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض " الآية . وقال أيضا : فدعانا فأتيناه وهو يقول : " سلام عليكم " فدنونا منه يومئذ حتى وضعنا ركبنا على ركبتيه وسائر الحديث نحوه . [ ص: 378 ]

13260 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وحدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والكلبي : أن ناسا من كفار قريش قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن سرك أن نتبعك ، فاطرد عنا فلانا وفلانا ، ناسا من ضعفاء المسلمين ! فقال الله - تعالى ذكره - : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " .

13261 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى قوله : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض " الآية ، قال : وقد قال قائلون من الناس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا محمد ، إن سرك أن نتبعك فاطرد عنا فلانا وفلانا لأناس كانوا دونهم في الدنيا ، ازدراهم المشركون ، فأنزل الله - تعالى ذكره - هذه الآية إلى آخرها .

13262 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " بلال وابن أم عبد ، كانا يجالسان محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت قريش محقرتهما : لولاهما وأمثالهما لجالسناه ! فنهي عن طردهم ، حتى قوله : " أليس الله بأعلم بالشاكرين " قال : " قل سلام عليكم " فيما بين ذلك في هذا .

13263 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه قال قال سعد : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، منهم ابن مسعود ، قال : كنا نسبق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وندنو منه ونسمع منه ، فقالت قريش : يدني هؤلاء دوننا ! فنزلت : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " . [ ص: 379 ]

13264 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة في قوله : " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " الآية ، قال : جاء عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومطعم بن عدي ، والحارث بن نوفل ، وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل ، في أشراف من بني عبد مناف من الكفار إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب ، لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وحلفاءنا ، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا ، كان أعظم في صدورنا ، وأطوع له عندنا ، وأدنى لاتباعنا إياه ، وتصديقنا له ! قال : فأتى أبو طالب النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثه بالذي كلموه به ، فقال عمر بن الخطاب : لو فعلت ذلك ، حتى تنظر ما الذي يريدون ، وإلام يصيرون من قولهم ؟ فأنزل الله - تعالى ذكره - هذه الآية : " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " إلى قوله : " أليس الله بأعلم بالشاكرين " قال : وكانوا : بلال ، وعمار بن ياسر ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وصبيح مولى أسيد ومن الحلفاء : ابن [ ص: 380 ] مسعود ، والمقداد بن عمرو ، ومسعود بن القاري ، وواقد بن عبد الله الحنظلي ، وعمرو بن عبد عمرو ذو الشمالين ، ومرثد بن أبي مرثد - وأبو مرثد ، من غني ، حليف حمزة بن عبد المطلب وأشباههم من الحلفاء . ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " الآية . فلما نزلت ، أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم " الآية .

13265 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد ، قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني أستحيي من الله أن يراني مع سلمان وبلال وذويهم ، فاطردهم عنك ، وجالس فلانا وفلانا ! قال فنزل القرآن : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " فقرأ ، حتى بلغ : " فتكون من الظالمين " ما بينك وبين أن تكون من الظالمين إلا أن تطردهم . ثم قال : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين " . ثم قال : وهؤلاء الذين أمروك أن تطردهم ، فأبلغهم مني السلام ، وبشرهم وأخبرهم أني قد غفرت لهم ! وقرأ : " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة " [ ص: 381 ] فقرأ حتى بلغ : " وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين " قال : لتعرفها .

واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرهط ، الذين نهى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن طردهم ، يدعون ربهم به .

فقال بعضهم : هي الصلوات الخمس .

ذكر من قال ذلك :

13266 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " يعني : يعبدون ربهم " بالغداة والعشي " يعني : الصلوات المكتوبة .

13267 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم في قوله : " يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " قال : هي الصلوات الخمس الفرائض . ولو كان ما يقول القصاص ، هلك من لم يجلس إليهم .

13268 - حدثنا هناد بن السري وابن وكيع قالا : حدثنا ابن فضيل ، [ ص: 382 ] عن الأعمش ، عن إبراهيم : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " قال : هي الصلاة .

13269 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " الصلاة المفروضة ، الصبح والعصر .

13270 - حدثني محمد بن موسى بن عبد الرحمن الكندي قال : حدثنا حسين الجعفي قال أخبرني حمزة بن المغيرة ، عن حمزة بن عيسى قال : دخلت على الحسن فسألته فقلت : يا أبا سعيد ، أرأيت قول الله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي [ سورة الكهف : 28 ] ، أهم هؤلاء القصاص ؟ قال : لا ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة .

13271 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : الصلاة المكتوبة .

13272 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : يعبدون ربهم " بالغداة والعشي " يعني الصلاة المفروضة .

13273 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 383 ] قتادة قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي [ سورة الكهف : 28 ] ، هما الصلاتان : صلاة الصبح وصلاة العصر .

13274 - حدثني ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا يحيى بن أيوب قال : حدثنا محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر في هذه الآية : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الآية ، أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة .

13275 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وإبراهيم : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، قالا : الصلوات الخمس .

13276 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

13277 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : المصلين المؤمنين : بلال وابن أم عبد قال ابن جريج ، وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : صليت الصبح مع سعيد بن المسيب ، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد : ما أسرع بهم إلى هذا المجلس ! قال مجاهد : فقلت يتأولون ما قال الله - تعالى ذكره - . قال : وما قال ؟ قلت : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : وفي هذا ذا ؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، إنما ذاك في الصلاة . [ ص: 384 ]

13278 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن منصور ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال : الصلاة المكتوبة .

13279 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر قال : هي الصلاة .

13280 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن إسرائيل ، عن عامر قال : هي الصلاة .

13281 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " يقول : صلاة الصبح وصلاة العصر .

13282 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قال : صلى عبد الرحمن بن أبي عمرة في مسجد الرسول ، فلما صلى قام فاستند إلى حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فانثال الناس عليه ، فقال : يا أيها الناس ، إليكم ! فقيل : يرحمك الله ، إنما جاءوا يريدون هذه الآية : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي [ سورة الكهف : 28 ] . فقال : وهذا عني بهذا ! إنما هو في الصلاة . [ ص: 385 ]

وقال آخرون : هي الصلاة ، ولكن القوم لم يسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرد هؤلاء الضعفاء عن مجلسه ، ولا تأخيرهم عن مجلسه ، وإنما سألوه تأخيرهم عن الصف الأول ، حتى يكونوا وراءهم في الصف .

ذكر من قال ذلك :

13283 - حدثني محمد بن سعد ، حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض " الآية ، فهم أناس كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفقراء ، فقال أناس من أشراف الناس : نؤمن لك ، وإذا صلينا فأخر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا !

وقال آخرون : بل معنى " دعائهم " كان ، ذكرهم الله - تعالى ذكره - .

ذكر من قال ذلك :

13284 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي وحدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : أهل الذكر .

13285 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن منصور : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : هم أهل الذكر .

13286 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : لا تطردهم عن الذكر .

وقال آخرون : بل كان ذلك تعلمهم القرآن وقراءته .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 386 ]

13287 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي [ سورة الكهف : 28 ] ، قال : كان يقرئهم القرآن ، من الذي يقص على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ !

وقال آخرون : بل عنى بدعائهم ربهم ، عبادتهم إياه .

ذكر من قال ذلك :

13288 - حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " يدعون ربهم بالغداة والعشي " قال : يعني : يعبدون ، ألا ترى أنه قال : لا جرم أنما تدعونني إليه [ سورة غافر : 43 ] ، يعني : تعبدون . [ ص: 387 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - نهى نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يطرد قوما كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي ، و " الدعاء لله " يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وكلاما وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال التي كان عليهم فرضها ، وغيرها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابده بما هو عامل له . وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها ، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي ، لأن الله قد سمى " العبادة " " دعاء " فقال - تعالى ذكره - : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ، [ سورة غافر : 60 ] . وقد يجوز أن يكون ذلك على خاص من الدعاء .

ولا قول أولى بذلك بالصحة ، من وصف القوم بما وصفهم الله به : من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي ، فيعمون بالصفة التي وصفهم بها ربهم ، ولا يخصون منها بشيء دون شيء .

فتأويل الكلام إذا : يا محمد ، أنذر بالقرآن الذي أنزلته إليك ، الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون فهم من خوف ورودهم على الله الذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير ، في العمل له دائبون إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل الله عليك المكذبون بالله واليوم الآخر من قومك ، استكبارا على الله ، ولا تطردهم ولا تقصهم ، فتكون ممن وضع الإقصاء في غير موضعه ، فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه ، وقرب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدناؤه ، فإن الذين نهيتك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألونه عفوه ومغفرته بصالح أعمالهم ، وأداء ما ألزمهم من فرائضه ، ونوافل تطوعهم ، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة [ ص: 388 ] والعشي ، يلتمسون بذلك القربة إلى الله ، والدنو من رضاه " ما عليك من حسابهم من شيء " يقول : ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرزق من شيء وما عليهم من حساب ما رزقتك من الرزق من شيء " فتطردهم " حذار محاسبتي إياك بما خولتهم في الدنيا من الرزق .

وقوله : " فتطردهم " جواب لقوله : " ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء " .

وقوله : " فتكون من الظالمين " جواب لقوله : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية