الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين [ ص: 393 ] إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون

                                                                                                                                                                                                قرئ : "أسر " ، بقطع الهمزة ووصلها . وسر إنكم متبعون علل الأمر بالإسراع باتباع فرعون وجنوده آثارهم . والمعنى : أني بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدموا ويتبعوكم ، حتى يدخلوا مدخلكم ، ويسلكوا مسلككم من طريق البحر ، فأطبقه عليهم فأهلكهم . وروي : أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد ، فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه . وروي : أن الله أوحى إلى موسى : أن أجمع بني إسرائيل ، كل أربعة أبيات في بيت ، ثم اذبحوا الجداء واضربوا بدمائها على أبوابكم ، فإني سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتا على بابه دم ، وسآمرهم بقتل أبكار القبط ، واخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري ، فأرسل فرعون في أثره ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور ، مع كل ملك ألف ، وخرج فرعون في جمع عظيم ، وكانت مقدمته سبعمائة ألف : كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة . وعن ابن عباس -رضي الله عنهما - : خرج فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث فلذلك استقل قوم موسى عليه السلام وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا ، وسماهم شرذمة قليلين إن هؤلاء محكي بعد قول مضمر . والشرذمة : الطائفة القليلة . ومنها قولهم : ثوب شراذم ، للذي بلي وتقطع قطعا ، ذكرهم بالاسم الدال على القلة ، ثم جعلهم قليلا بالوصف ، ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلا ، واختار جمع السلامة الذي هو للقلة ، وقد يجمع القليل على أقله وقلل . ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة والقماءة ، ولا يريد قلة العدد . والمعنى : أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر [ ص: 394 ] واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج ، سارعنا إلى حسم فساده ؛ وهذه معاذير ، اعتذر بها إلى أهل المدائن ؛ لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه . وقرئ : "حذرون" و "حاذرون" و "حادرون " ، بالدال غير المعجمة . فالحذر : اليقظ ، والحاذر : الذي يجدد حذره . وقيل : المؤدي في السلاح ، وإنما يفعل ذلك حذرا واحتياطا لنفسه . والحادر : السمين القوي ، قال [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                أحب الصبي السوء من أجل أمه وأبغضه من بغضها وهو حادر



                                                                                                                                                                                                أراد أنهم أقوياء أشداء . وقيل مدججون في السلاح ، قد كسبهم ذلك حدارة في أجسامهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية