الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 51 ) )

وتأويل قوله : ( ثم اتخذتم العجل من بعده ) ، ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها ، من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد . و" الهاء " في قوله " من بعده " عائدة على ذكر موسى .

فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل ، المكذبين به المخاطبين بهذه الآية - عن فعل آبائهم وأسلافهم ، وتكذيبهم رسلهم ، وخلافهم أنبياءهم ، مع تتابع نعمه عليهم ، وشيوع آلائه لديهم ، معرفهم بذلك أنهم - من خلاف محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وجحودهم لرسالته ، مع علمهم بصدقه - على مثل منهاج آبائهم وأسلافهم ، ومحذرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذبين بالرسل : من المسخ واللعن وأنواع النقمات .

وكان سبب اتخاذهم العجل ، ما : -

918 - حدثني به عبد الكريم بن الهيثم قال ، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال ، حدثنا سفيان بن عيينة قال ، حدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم [ ص: 64 ] ذنوب حصان ، فلما هجم على البحر ، هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق ، فلما رآها الحصان تقحم خلفها . قال : وعرف السامري جبريل ، لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه ، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه ، فيجد في بعض أصابعه لبنا ، وفي الأخرى عسلا وفي الأخرى سمنا ، فلم يزل يغذوه حتى نشأ . فلما عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه . قال : أخذ من تحت الحافر قبضة . - قال سفيان : فكان ابن مسعود يقرؤها : " فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول " [ طه : 96 ] .

قال أبو سعيد قال عكرمة ، عن ابن عباس : وألقي في روع السامري إنك لا تلقيها على شيء فتقول : " كن كذا وكذا " إلا كان . فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر . فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر ، وأغرق الله آل فرعون ، قال موسى لأخيه هارون : اخلفني في قومي وأصلح . ومضى موسى لموعد ربه . قال : وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون قد تعوروه ، فكأنهم تأثموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله . فلما جمعوه ، قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا ، فقذفها فيه - وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا - وقال : كن عجلا جسدا له خوار . فصار عجلا جسدا له خوار ، وكان تدخل الريح في دبره وتخرج من فيه ، يسمع له صوت ، فقال : هذا إلهكم وإله موسى . فعكفوا على العجل يعبدونه ، فقال هارون : يا قوم إنما فتنتم به ، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ! قالوا : لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .

919 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا [ ص: 65 ] أسباط بن نصر ، عن السدي : لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل - يعني من أرض مصر - أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا ، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط . فلما نجى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر ، وغرق آل فرعون ، أتى جبريل إلى موسى يذهب به إلى الله . فأقبل على فرس ، فرآه السامري فأنكره وقال : إنه فرس الحياة ! فقال حين رآه : إن لهذا لشأنا . فأخذ من تربة الحافر - حافر الفرس - فانطلق موسى ، واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة ، وأتمها الله بعشر . فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل ، إن الغنيمة لا تحل لكم ، وإن حلي القبط إنما هو غنيمة ، فاجمعوها جميعا ، واحفروا لها حفرة فادفنوها ، فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها ، وإلا كان شيئا لم تأكلوه . فجمعوا ذلك الحلي في تلك الحفرة ، وجاء السامري بتلك القبضة فقذفها ، فأخرج الله من الحلي عجلا جسدا له خوار . وعدت بنو إسرائيل موعد موسى ، فعدوا الليلة يوما واليوم يوما ، فلما كان تمام العشرين ، خرج لهم العجل . فلما رأوه قال لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى فنسي - يقول : ترك موسى إلهه هاهنا وذهب يطلبه . فعكفوا عليه يعبدونه ، وكان يخور ويمشي . فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل إنما فتنتم به - يقول : إنما ابتليتم به ، يقول : بالعجل - وإن ربكم الرحمن . فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم ، وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه ، فلما كلمه قال له : ما أعجلك عن قومك يا موسى ؟ قال : هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى . قال : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ، فأخبره خبرهم . قال موسى ; يا رب هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل ، أرأيت الروح من نفخها فيه ؟ قال الرب : أنا . قال : رب أنت إذا أضللتهم .

920 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : كان [ ص: 66 ] - فيما ذكر لي - أن موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عز وجل به : استعيروا منهم - يعني من آل فرعون - الأمتعة والحلي والثياب ، فإني منفلكم أموالهم مع هلاكهم . فلما أذن فرعون في الناس ، كان مما يحرض به على بني إسرائيل أن قال : حين ساروا لم يرضوا أن خرجوا بأنفسهم ، حتى ذهبوا بأموالكم معهم ! .

921 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان السامري رجلا من أهل باجرما ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان حب عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل . فلما فصل هارون في بني إسرائيل ، وفصل موسى إلى ربه ، قال لهم هارون : أنتم قد حملتم أوزارا من زينة القوم - آل فرعون - وأمتعة وحليا ، فتطهروا منها ، فإنها نجس . وأوقد لهم نارا فقال : اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها . قالوا : نعم .

فجعلوا يأتون بما كان فيهم من تلك الأمتعة وذلك الحلي ، فيقذفون به فيها . حتى إذا تكسر الحلي فيها ، ورأى السامري ، أثر فرس جبريل ، فأخذ ترابا من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار فقال لهارون : يا نبي الله ، ألقي ما في يدي ؟ قال : نعم . ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة ، فقذفه فيها وقال : " كن عجلا جسدا له خوار " ، فكان ، للبلاء والفتنة . فقال : هذا إلهكم وإله موسى . فعكفوا عليه ، وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط . يقول الله عز وجل : ( فنسي ) [ طه : 88 ] أي ترك ما كان عليه من الإسلام - يعني السامري - ( موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) [ طه : 89 ] وكان اسم السامري موسى بن ظفر ، وقع في أرض مصر ، فدخل في بني إسرائيل . فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال : ( يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) [ طه : 90 - 91 ] فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل ، وتخوف هارون ، إن سار بمن معه من المسلمين ، أن يقول له موسى : فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي . وكان له هائبا مطيعا .

922 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل من فرعون ، وأغرق فرعون ومن معه ، قال موسى لأخيه هارون : اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين . قال : لما خرج موسى وأمر هارون بما أمره وخرج موسى متعجلا مسرورا إلى الله ، قد عرف موسى أن المرء إذا أنجح في حاجة سيده ، كان يسره أن يتعجل إليه . قال : وكان حين خرجوا استعاروا حليا وثيابا من آل فرعون ، فقال لهم هارون : إن هذه الثياب والحلي لا تحل لكم ، فاجمعوا نارا ، فألقوه فيها فأحرقوه . قال : فجمعوا نارا . قال : وكان السامري قد نظر إلى أثر دابة جبريل ، وكان على فرس أنثى - وكان السامري في قوم موسى - قال : فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة ، فيبست عليها يده . فلما ألقى قوم موسى الحلي في النار ، وألقى السامري [ ص: 68 ] معهم القبضة ، صور الله جل وعز ذلك لهم عجلا ذهبا ، فدخلته الريح ، فكان له خوار ، فقالوا : ما هذا ؟ فقال : السامري الخبيث : ( هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) ، الآية ، إلى قوله : ( حتى يرجع إلينا موسى ) [ طه : 88 - 91 ] قال : حتى إذا أتى موسى الموعد ، قال الله : ( وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري ) فقرأ حتى بلغ : ( أفطال عليكم العهد ) [ طه : 86 ] .

923 - حدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : ( ثم اتخذتم العجل من بعده ) قال : العجل : حسيل البقرة . قال : حلي استعاروه من آل فرعون ، فقال لهم هارون : أخرجوه فتطهروا منه وأحرقوه . وكان السامري قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل فطرحه فيه ، فانسبك ، فكان له كالجوف تهوي فيه الرياح .

924 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إنما سمي العجل ، لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى .

925 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحو حديث القاسم عن الحسن .

926 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية